ولهذا الصحيح في هذه المسألة أن نقول: إذا كان هناك قرينة قوية تُرَجِّح جانب المدَّعِي فإنه يجب الأخذ بها؛ لئلا تضيع حقوق الناس، أو يُحْجَز الناس عن المدافعة عن أعراضهم وأموالهم وأنفسهم، فإذا كان هذا المقتول معروفًا بالشر والفساد، والقاتل معروف بالخير والصلاح، وادَّعَى أنه صال عليه، ووُجِد قرينة أيضًا تؤيد ذلك، كما لو وُجِدَ في بيته، فإن هذا يدل على صدق دعوى المدَّعِي، قرينة مثلًا في جانب القاتل، وقرينة في جانب المقتول، وقرينة في ملابسات القضية، فإن هذا دليل على صدق دعواه، وحينئذ يرتفع عنه القصاص ويؤخذ بقوله؛ لأننا لو منعنا قبول قوله على الإطلاق صار في هذا فتح كبير لمن؟ للمفسدين؛ لأن هذا المفسد يقول: إن غنمت -كما يراه هو- فقد ربحت، وإن قُتِلْتُ فصاحبي سيُقْتَل، فهو على زعمه غانم على كلا الاحتمالين، ولا شك أن هذا شر كبير، لو أنه أُخِذَ على إطلاقه، وإن كان هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة لكنه ضعيف، فالصحيح ما ذكرنا من التفصيل، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، على أن المعروف بالشر والفساد يُقْبَل قول من ادعى أنه قتله دفاعًا عن نفسه.
طالب: تلزم الدية يا شيخ؟
الشيخ: ما تلزم الدية، كيف تلزم! ما له شيء أبدًا، ما دام عُلِم أن هذا صحيح، القرينة تؤيد أنه يدافع فهو هدر.
انتهى الكلام على حد قُطَّاع الطريق وعلى قتل الصائل.
طالب:( ... ).
الشيخ: لا؛ لأن القاتل لنفسه والقاتل عمدًا كلهم في النار، الرسول أخبر أن القاتل لنفسه يُعَذَّب بما قتل به نفسه في نار جهنم، ومع ذلك أمر بأن يُصَلَّى عليه.
طالب:( ... ).
الشيخ: هذا في السلطان، الرسول أمر أن الإنسان يصبر على جور السلطان ويسمع ويطيع وإن أخذ ماله وضرب ظهره.