للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتعزير ثابت في القرآن، وفي السنة؛ أما في القرآن فقوله تعالى عن أيوب: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] إلى آخره، فإن سبب هذا الضرب هو أن زوجته خالفت في أمر يجب عليها أن تقوم به، فأقسم أن يضربها مئة سوط، فأمره الله تعالى أن يأخذ ضغثًا، والضغث هو أعواد شماريخ النخل فيضرب به، ولا يحنث يعني ما تجعل عليه الكفارة، ولا يكون حانثًا في يمينه.

وأما في السنة فله أمثلة الوارد فيه نصوص متعددة، منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ» (٣)، فإن الضرب هذا نوع من التعزير، وهو تعزير على ترك مأمور، ومنها أيضًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرق رحل الغال الذي يكتم شيئًا مما غنمه (٤)، وهذا على فعل مُحرَّم.

وكذلك أيضًا ضرب الذي كتم مال حيي بن أخطب في عام خيبر، أمر الزبير أن يضربه حتى أقر به (٥)، وهذا أيضًا تعزير على ترك واجب؛ لأن الواجب عليه أن يبين، ولا يكتم، وكذلك أمر أو ألزم كاتم الضالة بقيمتها مرتين (٦)، وهذا أيضًا من التعزير على ترك الواجب، وهو تعزير مالي وليس ببدني، أما الحكمة والنظر فإنه يقتضي؛ لأن الخلق لا بد لهم من وازع ديني يمنعهم من التفريط في الواجبات والوقوع في المحرمات، أو من رادع سلطاني، فإذا وجد الوازع الديني فقد يكتفى به؛ لأن الناس تصلح أحوالهم به، وإذا ضعف الوازع الديني بقي الرادع السلطاني، فإن ضعف الرادع السلطاني مع ضعف الوازع الديني فسدت الأمور، إذن الحكمة تقتضيه لما فيه من سياسة الخلق وإلزامهم بطاعة الله سبحانه وتعالى، وترك معصيته، أما حكمه فهل هو واجب، أو مستحب، أو الإمام فيه مخير بين أن يقيمه وألا يقيمه، وأنه إذا اقتضت المصلحة إقامة التعزير وجب، وإذا لم تقتضها كان في ذلك سعة للإمام أن يترك التعزير؟

<<  <  ج: ص:  >  >>