الصحيح هو هذا، الصحيح أن الإمام فيه مخير بين أن يقيمه، أو لا يقيمه إلا ما ورد به النص، فما ورد به النص فإنه يجب إثباته مثل أيش؟ كإحراق رحل الغال، وتضمين كاتم الضالة قيمتها مرتين، وما أشبهها، هذا لا بد من إقامته، وأما ما لم يرد به الشرع فإن الإمام فيه مخير، الإمام أو نائبه مخير بين أن يقيمه، وأن يدعه، وهذا التخيير ليس تخيير تشهٍّ وإرادة، ولكنه تخيير مصلحة إذا رأى أن المصلحة تقتضي أن يؤدب هذا الفاعل وجب عليه أن يؤدبه، وإذا رأى ألا يؤدبه فإنه له ألا يؤدبه.
ولهذا وقعت قضايا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام معاصي أو ترك واجب، ومع ذلك ترك فيها التأديب؛ لأنه رأى صلى الله عليه وسلم أن المصلحة تقتضي ذلك، فقد يكون الرجل إذا جاء مثلًا مخبرًا بذنبه تائبًا منه، قد تكون المصلحة أن لا يؤدب، وقد تكون المصلحة في تأديبه؛ لأنه أعلنه وأظهره، فإذا لم يؤدب أمام الناس تجرأ الناس على هذه المعصية، فالمهم أن الصواب في هذه المسألة أن يقال: حكم التعزير فيما جاء به النص واجب، ويش مثاله؟ كإحراق رحل الغال (٤) وتضمين كاتم الضالة قيمتها مرتين (٦)، وكذلك ضرب تارك الصلاة من الأولاد لعشر سنين (٣).
وأما ما لم يجئ الشرع به، فإن الإمام فيه مخير تخيير مصلحة إذا كانت المصلحة تقتضي أن يقوم به، فإنه يقوم به إذا كانت المصلحة تقتضي ألَّا يقوم به فإنه لا يقوم به.
لاحظوا أن بعض الناس إذا كان جاء مخبرًا بذنبه تائبًا منه أنك إذا لم تُقم عليه عقوبة فإنه يجد راحة وطمأنينة، وانشراح صدر، ومحبة للإسلام، ولولاة الإسلام، لكن لو تقيم عليه الحد في هذه الحال يمكن يحصل منه نفور، وكراهة للإسلام، ولأهل الإسلام، أو لولاة الإسلام، فهذه الأمور يتبع فيها المصالح، والإنسان الذي استرعاه الله على رعية إذا قصد بذلك وجه الله وإصلاح من استرعاه الله عليهم وُفِّق للصواب.
السؤال الآن: ما الذي يعزر فيه؟ يعني ما هو الذنب الذي يعزر الإنسان عليه؟