للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقول: لا نحكم عليهم بالفسق بناءً على ما ظهر لنا من حالهم إلا أننا نقول: إن هذا التأويل فِسْق، وهناك فرق بين تكفير الشخص، وتكفير الجنس؛ فالشخص ما يجوز أنك تطلق عليه الكفر حتى تعلم أنه كافر، وقد شهدت النصوص بهذا بالاعتبار؛ فإنه يجوز أن تقول: لعنة الله على الكاذبين وعلى الكافرين، وما أشبه ذلك، لكن ما يجوز أن تلعن شخصًا معينًا كذلك أيضًا، تقول مثلًا: من أول صفة من صفات الله بخلاف ما أولها عليه السلف فإنه فاسق، لكن ما تقول مثلًا: إن فلانًا فاسق، وفلانًا فاسق لاحتمال أن يكون معذورًا عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن المجتهد إذا أخطأ لم يكن فاسقًا، ولكنه يكون مأجورًا بأجر واحد، ويدل لذلك من السنة أيضًا، بل ومن القرآن لو شئنا وتوسعنا في الاستدلال.

من السنة قصة الرجل الذي أضاع ناقته، ثم اضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت، فإذا بخطام ناقته متعلقًا بالشجرة فأخذ به وقال: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح (١٥). لو نظرنا إلى هذه الكلمة من حيث هي كلمة لحكمنا بأنها كفر ولَّا لا؟

الطلبة: كفر.

الشيخ: كفر، لكن باعتبار القائل: ليس هو بكافر؛ لأن حاله أوجبت ألا يكون كافرًا بهذه الكلمة، كذلك في الرجل الذي كان مسرفًا على نفسه، فقال لأهله: إذا مت فأحرقوني واذروني في اليم. خائفًا من الله عز وجل وظانًّا أنه بهذا العمل يسلم من العقاب، ولكن الله تعالى أمره فأقامه، وسأله فقال: إني خفت من عذابك. فقال الله تعالى: أنقذك خوفي، أو كما قال سبحانه وتعالى: من عقابي (١٦).

فهذا الرجل يعتبر بفعله هذا شاكًّا في قدرة الله سبحانه وتعالى، والشك في قدرة الله كُفْر، لكن هذا الرجل نفسه ليس بالكافر، كذلك أيضًا هذا من السنة.

من القرآن لو أردنا أن نتوسع من أكره على الكفر، فقال الكفر، قال كلمة الكفر، لكنه مكره، فهل يحكم بكفره؟

<<  <  ج: ص:  >  >>