وقولنا: على وجه لا يتميز به، احترازًا مما لو أمكن تمييزه، فإنه إذا أمكن تمييزه لا يحرم الحلال، ومن ذلك: استعمال الراديو مثلًا يرى بعض الناس أنه ما يجوز للإنسان أن يستعمل الراديو؛ لأنه يأتي فيه أشياء محرمة، وقد قال الله تعالى في الخمر:{فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} والميسر {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[البقرة: ٢١٩]، ثم حرمهما الله تبارك وتعالى بعد ذلك، فدل هذا على أن ما كان فيه حلال وحرام فإنه يكون حرامًا.
ولكننا نقول: هذا القياس ليس بصحيح؛ لأن الإثم والمنفعة في الخمر والميسر في عين واحدة لا يمكن تمييز أحدهما عن الآخر ولَّا لا؟ يعني ما يمكن فصل هذا عن هذا، لكن الراديو يمكن فصل الحلال عن الحرام، وإذا كان يمكن فصل الحلال عن الحرام فإننا لا يمكن أن نحرم الحلال؛ لأنه يمكن أن يستقل بنفسه.
فالمهم يجب أن ننتبه لهذه القاعدة: ما تولد من مأكول وغيره، ما هي علة التحريم فيه؟ أنه يشترط حلال وحرام على وجه لا يتميز أحدهما عن الآخر، وحينئذٍ لا يمكن اجتناب هذا المحرم إلا بجتناب المباح، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
والتمثيل يمثلون لذلك بالبغل، السِّمْع، العِسْبَار.
السِّمْع: يقولون إنه ولد الضبع من الذئب، والعكس العِسْبَار. وعلى كل حال القاعدة المعروفة بالشيء المألوف في البغل، فإنه متولد من الحلال والحرام؛ فلذلك كان حرامًا ما عدا هذه الأصناف السبعة من حيوانات البر يكون مباحًا.
وقد علمتم أننا ناقشنا في كم من واحدة منها؟ ناقشنا في اثنين منها، وهو ما يأكل الجيف وما يستخبث.
وقلنا: إن ما يأكل الجيف فيه روايتان عن الإمام أحمد، وهما الروايتان في الجلالة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.