للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبهذا عرفنا أن حكم القاضي إلزام، وأما حكم المفتي فليس بإلزام، ولهذا يجوز الإفتاء على الغائب، ولا يجوز الحكم على الغائب؛ فهند بنت عتبة شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان بأنه كان شحيحًا لا يعطيها ما يكفيها وولدها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ –أَوْ: وَلَدَكِ- بِالْمَعْرُوفِ» (٩)، لو كان هذا من باب الحكم ما صح؛ لأن المحكوم عليه.

طالب: غائب.

الشيخ: غائب، ولكن هذا من باب الإخبار بالحكم الشرعي، وليس من باب القضاء بينها وبين زوجها، فكأنه يقول: إن كان الأمر كما تقولين فإنه يجوز لك أن تفعلي كذا وكذا، ولكنه لم يُلْزِم زوجها بشيء.

هذه المسألة ليست من باب القضاء، ولهذا مَن استدل بالحديث على القضاء على الغائب ففي استدلاله نظر؛ لأن هذا في الحقيقة إخبار وليس بحكم، لكن إذا استدل به بأمور أخرى فسيأتي إن شاء الله ذِكْرُه.

حكم القضاء يُرَادُ به شيئان؛ الشيء الأول: الدخول في ولاية القضاء، والشيء الثاني: القضاء بين الناس.

أما القضاء بين الناس فلا شك أنه واجب، واجب أن يقضى بين الناس بالحق، وأما توليه فإنه فرضُ كفايةٍ، يتعيَّن على مَن كان أهلًا له ولم يوجد غيره، أو وُجِدَ غيره ولكنه لا يقوم به؛ إما لقصور في علمه، أو تقصير في حكمه؛ لأن اللي ما يصح في القضاء إما قاصر في علمه أو مُقَصِّر في حكمه، نعرف أن الرجل ليس له ذمة يحابي الناس في الحكم وما أشبه ذلك، هذا ما تبرأ به الذمة، ولا يدخل في الواجب بالنسبة إلى من يتولى القضاء غيره.

فالآن عندما نقول: حكم القضاء، يراد به أمران، هما؟

طالب: الحكم بين الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>