للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشرط الثامن: أن يكون متكلِّمًا، يعني ينطق، وأما الأخرس فلا يجوز أن يكون قاضيًا، لماذا؟ قالوا: لأن القاضي يحتاج إلى النطق لإفهام الخصمين مصدر الحكم، فإذا كان لا يتكلم فالإشارة قد لا تحيط بما في نفسه، فلا يصح أن يكون قاضيًا.

وهذا الشرط ما دام ثابتًا بتعليل فإن هذه العلة المانعة من تولية غير الناطق إذا تخلفت يتخلف الشرط، فإذا كان هذا لا ينطق ولكنه يستطيع أن يكتب عما في نفسه، هو يسمع الخصمين، ويرى الخصمين، ويعلم ويتصور تصورًا كاملًا لكنه لا ينطق، إنما يكتب، فالكتابة تعبِّر عما في الضمير كما نعبر باللسان.

وعلى هذا فنقول: إذا كان القاضي لا ينطق لكنه يكتب فإنه يصح أن يكون قاضيًا؛ لأن العلة تزول.

الشرط التاسع: أن يكون مجتهدًا، فالمقلِّد لا يصح أن يكون قاضيًا لأنه مقلد، فهو يتكلم بما عند غيره.

وقد قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمع العلماء على أن المقلِّد ليس معدودًا من أهل العلم؛ لأنه عبارة عن نسخة كتاب، بل النسخة أضبط منه؛ لأنه هو قد ينسى أو يفهم الشيء خطأً، والنسخة ليست كذلك.

وبهذا عرفنا نقصان درجة المقلد، ما دام أن العلماء أجمعوا على أنه ليس بعالم فهذا دليل على النقص، لكن هذا الشرط شرط بحسب الإمكان، فإذا لم نجد إلا مقلِّدًا فلا ريب أن المقلِّد خير من العامي، وخيرٌ مِن تَرْك الناس بدون قاضٍ.

فنحن نقول: نولي من العلماء مَن هو أمثل، كما أنه لو لم نجد إلا قضاة فَسَقَة -والعياذ بالله- يأخذون الرشوة، ويجورون في الحكم، ويغتابون الناس، ويَجُرُّون ثيابهم، وما أشبه ذلك، إذا لم نجد إلا مثل هؤلاء هل نبطل هذه الولاية، ولَّا المراد بمن هو أمثل نولي أمثل الفاسقين؟

طلبة: نولي أمثل الفاسقين.

الشيخ: نولي أمثل الفاسقين؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، ولا نَدَعُ الناس بدون قاضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>