الشيخ: إذا كان القاضي يرى أن الحق خلاف هذه التعليمات هو يجب عليه واحد من أمرين؛ إما أن يحكم بما يراه حقًّا، وإذا غصبه مَن فوقه فالمسؤولية عليه، وهذا هو الأوجب وهو الأولى أيضًا، وإما أن يصرف المتخاصمين، كما أنه لو تحاكم إليه رجلان وهو يعلم أن الحق مع أحدهما، فإنه لا يحكم له بعلمه ولكن يصرفهما إلى قاضٍ آخر، ويكون هو شاهدًا على ما يعلمه، فهنا نقول: الإنسان الذي له عنده تعليمات خلاف ما يراه حقًّا لا يجوز أن يحكم بمقتضى هذه التعليمات؛ لأن معنى ذلك أنه حَكَمَ؟
طلبة: بغير ما أنزل الله.
الشيخ: بغير ما أنزل الله، ولكن يجب عليه واحد من أمرين؛ إما أن يحكم بما يرى، وهذا خير الأمرين، وإما أن يصرفه، وإنما قلنا: الأول خير الأمرين؛ لأنه يتضمن مصلحتين هامتين؛ المصلحة الأولى هو تنفيذ الحكم، بحيث إنه ما يعرف إلا الخصمين؛ لأنه لو صرفهما يمكن عاد يبقى مدة يعيِّنان مَن يحكم بينهما، والمسألة الثانية هو أنه إذا حكم بمقتضى ما يراه حقًّا قد يكون ذلك فتح باب للمسؤولين فوقه أن ينتبهوا للأمر، وأن يراجعوا ويحرصوا على المراجعة.
ولّا معلوم إذا حكم بخلاف ما يقتضيه النظام بكل سهولة يطلب المحكوم عليه أن يرفع إلى ( ... )، لكن إذا حكم هو بما يراه الحق ودَلَّلَ على حكمه فهذا يوجب أن ينتبه مَن فوقه انتباهًا بالغًا، ثم يكون أيضًا وسيلة إلى أن غيره من القضاة يقتدي به، ويفتح الله على يديه خيرًا كثيرًا.
أما الثاني وهو الصرف فإن صرفهما يتضمن مفسدتين:
أولًا: عدم الحكم لهؤلاء مع أنهما قد حضرَا إليه، والثاني أنه تبقى المسألة هكذا عمياء ما أحد يفتح باب الاستدلال أو باب النظر، فلذلك نرى أن الخير أن يحكم بما يرى، وإذا نقض فالمسؤولية على الناقض.
طالب: لكنه يُعْزَل.
الشيخ:( ... ).
طالب: لازم يُعْزَل ( ... ) عُزِلُوا عن مناصبهم.
الشيخ: عُزِلُوا عن مناصبهم أحسن وأحسن ما يهم، إذا اتقى الله فإنه لا يهمه.