للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: إن التحمل فرض كفاية، والأداء فرض عين، وأنه لو تحمل هذه الشهادة عشرة فإنه يجب على كل واحد منهم أن يشهد؛ أي أن يؤدي شهادته؛ لأننا لو قلنا: إن الشهادة أداؤها فرض كفاية، فطلبنا من الشاهد الأول أن يشهد، قال: فيه من يكفي، ذهبنا إلى الثاني، فقال: فيه من يكفي، ثم ربما يضيع الحق من هذه المماطلة؛ ولهذا التفصيل؛ يعني التفريق بين التحمل والأداء له وجه؛ فالتحمل فرْض كفاية إذا علمنا أن في المقام أو في المكان من يكفي في الشهادة، فلا يجب عليه، وأما الأداء فإنه فرض عين.

ولكن لا بد فيها من شروط كغيرها من الواجبات؛ وهي أن يكون الإنسان قادرًا على أدائها بلا ضرر، فإن كان لا يمكنه إلا بضرر فإنه لا يجب عليه أن يؤدي، مثل: لو فرضنا أنه لو شهد بهذا الأمر لأدى ذلك إلى قتله أو حبسه أو ما أشبه ذلك فإنه يقول أهل العلم: إنه لا يجب عليه مُستدلين على ذلك بقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]. والدليل على وجوبها قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢]، وهذا نهي، والأصل في النهي التحريم.

وقوله: {إِذَا مَا دُعُوا} يشمل الدعاء إلى تحملها والدعاء إلى أدائها، ثم إنه قد لا تقتضي الحال؛ يعني قد لا تقتضي الحال أن يدعوك باللفظ، قد يدعوك بالحال، فإذا كانت القرينة تقتضي أن تتحمل هذا الأمر الواقع، وإن لم يقل لي: اشهد على كذا فإنه يجب عليك أن تشهد.

وبعض العوام يظنون أنهم إذا لم يقل: اشهد على فلان فإنه لا يجب عليه الأداء، وهذا خطأ، بل المقصود تحمل الدعوى إليها: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] سواء دعاه بلسان الحال أو بلسان المقال.

طالب: ( ... )؟

الشيخ: لا، باعتبار ما يكون؛ لأني إذا دعوتك وقلت: تعالَ اشهد فأنت الآن المطلوب منك أن تكون شهيدًا فهو شاهد، لكن لا شك أن أداءها أوْفَى من وجوه؛ لأن أداءها فرض عين.

<<  <  ج: ص:  >  >>