قال الصَّحابةُ رضي الله عنهم: يا رسولَ الله، هذا اليوم الذي كَسَنَة أتكفينا فيه صلاة يوم واحد؟ قال:«لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ»(١)، انظروا يا إخواني إلى هذا المثال لتأخذوا منه عبرة، كيف كان تصديق أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم لرسول الله؟ ما ذهبوا يُحَرِّفون أو يُؤَوِّلُون، أو يقولون: إنَّ اليوم لا يمكن أن يطول؛ لأن الشمس تجري في فلكها ولا تتغيَّر، ولكنه يطول لكثرة المشاق فيه ولعِظَمِ المشاق فيه، فهو يطولُ؛ لأنه مُتْعِب، ما قالوا هكذا، كما يقوله بعضُ المُتَحَذْلِقِين.
بماذا صَدَّقوا؟ صَدَّقوا بأن هذا اليوم سيكون اثني عشر شهرًا حقيقة، بدون تحريف وبدون تأويل، وهكذا حقيقة المؤمن، ينقاد لما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب، وإن حَارَ فيها عقلُه، لكن يجب أن تعلم أن خبر الله ورسوله لا يكون فيما يكون محالًا في العقول، لكن فيما يكون حيرةً في العقول، يعني العقول تتحير؛ لأنها ما تدركه، لكن لا يمكن أن يكون شيئًا محالًا.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أول يوم من أيام الدجال كَسَنَة، لو أن هذا الحديث مَرَّ على المتأخِّرين الذين يدَّعون أنهم هم العقلاء لقالوا: إنَّ طوله مجاز عمَّا فيه مِن التَّعبِ والمشاق؛ لأن أيام السرور قصيرة، وأيام الشرور طويلة.
ولكن الصَّحابة رضي الله عنهم لصفائهم وقَبولهم سَلَّموا في الحال، وقالوا: إنَّ الذي خَلَقَ الشَّمسَ، وجعلها تجري في أربعة وعشرين ساعة في اليوم والليلة، قادر على أن يجعلها تجري في اليوم كم؟ اثني عشر شهرًا؛ لأن الخالق واحد عزَّ وجل، فهو قادر، ولذلك سَلَّموا، وقالوا: كيف نُصلِّي؟ ما سألوا عن الأمر الكوني؛ لأنهم يعلمون أن قدرة الله فوق مستواهم، سألوا عن الأمر الشرعي الذي هم مُكَلَّفون به وهو الصَّلاة، وهذا والله حقيقة الانقياد والقَبول، قالوا: كيف نصلي؟ قال:«اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ»(٢).