فعلى المرء إذا سمع مثل هذه الفتن التي تكون في أهل البدع من أناس يبتدعون في العقيدة، وأناس يبتدعون في السلوك، وغير ذلك، يجب عليه أن يعرض هذه البدع على أي شيء؟ على الكتاب والسنة، وأن يحذر منها، وألَّا يغتر بما تُكْسَى من زخارف القول؛ فإن هذه الزخارف كما قيل فيها:
حُجَجٌ تَهَافَتُ كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا
حَقًّا وَكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسُورُ
فالدجال الْمُعَيَّن لا شك أن فتنته أعظم شيء، لكن هناك دَجَاجِلَة يُدَجِّلُون على الناس ويُمَوِّهُون عليهم، فيجب الحذر منهم، ومعرفة إراداتهم ونواياهم، ولهذا قال الله تعالى في المنافقين:{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}، مع أنه قال:{وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}، يعني: بيانه وفصاحته وعظمه يَجُرُّك جَرًّا إلى أن تسمع، لكن {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}[المنافقون: ٤]، ما فيهم خير، حتى الْخُشُب ما هي قائمة بنفسها {مُسَنَّدَةٌ}، تقوم على الجدار، فهي لا خير فيها، {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}[المنافقون: ٤].
فهؤلاء الذين يتزَيَّنُون للناس بأساليب القول، سواء في العقيدة، أو في السلوك والمنهج، يجب الحذر منهم، وأن تُعْرَض أقوالهم وأفعالهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما خالفهما فهو باطل مهما كان، ولا تقولَنَّ: إن هؤلاء القوم أُعْطُوا فصاحة وبيانًا لينصروا الحق؛ فإن الله تعالى قد يَبْتَلِي، فيعطي الإنسان فصاحة وبيانًا وإن كان على باطل، كما ابتلى الله الناس بالدجال وهو على باطل بلا شك.