للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ترجيح نظري، وأما ما يفعله بعض الناس من كونهم إذا سَلَّمُوا دَعَوْا في الفريضة، أو في النافلة، فهذا لا أصل له، ولم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم إلا حين وضع كفارُ قريش سَلَا الناقة عليه وهو ساجد، فإنه لَمَّا سَلَّم رفع يديه يدعو عليهم.

وهذا قد يقال: إنه فعل ذلك لمناسبة، وهي تخويفهم؛ لأنه لو دعا وهو يصلي ما علموا بذلك، فإذا دعا بعد الصلاة ورفع يديه فلا شك أن في هذا تخويفًا لهم، فيكون هذا له مناسبة.

كذلك أيضًا بعض الناس إذا فرغ من صلاة الفريضة دعا، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل: أي الدعاء أسمع؟ يعني: أقرب إجابة، قال صلى الله عليه وسلم: «جَوْفُ اللَّيْلِ، وَأَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ» (١٩)، قالوا: والأدبار تكون بعد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ» (٢٠)، ومعلومٌ أن هذا لا يقال إلا بعد السلام، فيكون قوله: «أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ» أي: بعد السلام.

فنقول: هذا الفهم للحديث غير مُتَعَيِّن، بل يجب أن يُحْمَل على أن المراد بالأدبار آخر الصلوات، بدليل حديث ابن مسعود، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء بعد التشهد، والسنة يُفَسِّر بعضها بعضًا، أما أدبار الصلوات فقد أرشد الله سبحانه وتعالى عباده إلى أن يذكروا الله بعدها، فقال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ}، وليس فيه الأمر بالدعاء.

وعلى هذا فنقول: ما ورد مُقَيَّدًا بدُبُر الصلاة، فإن كان ذِكْرًا فهو بعد السلام، وإن كان دعاء فهو قبل السلام، والدعاء أدبارَ الصلوات يكون قبل السلام.

فإن قال قائل: إن دُبُرَ الشيء بعده، كما في الحديث: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، أي: بعد موته؟

<<  <  ج: ص:  >  >>