ثم قال:(فصلٌ: ويُكْرَه في الصلاة التفاتُه). (التفات) نائب فاعل؛ يعني: يُكرَه للمصلي أن يلتفت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل عن الالتفات في الصلاة، فقال:«هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ»(١١) اختلاس يعني: سرقة ونهب، يختلسه الشيطان من صلاة العبد، وقال:«إِيَّاكَ وَالالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ»(١٢)؛ ولأن الالتفات حركة لا مبرِّر لها، والأصل كراهة الحركات في الصلاة؛ ولأن في الالتفات إعراضًا عن الله عز وجل؛ فإن الله سبحانه وتعالى إذا قام الإنسان يصلي فالله تعالى قِبَلَ وَجْهِهِ؛ ولهذا حَرُم على المصلي أن يَتَنَخَّعَ قِبَل وَجْهِهِ؛ لأنه من سوء الأدب مع الله، ولكن إذا كان لحاجة فلا بأس، فمن الحاجة ما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم حيثُ أرسلَ عينًا تترقب العدو، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي ويلتفت نحو الشِّعب الذي يأتي منه هذا العين، والعين يعني: الجاسوس؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا أصابه الوَسواس في صلاته أن يَتْفُل عن يساره ثلاثَ مرَّات ويستعيذَ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا التفاتٌ لحاجة، ومن ذلك لو كانت المرأة عندها صبي وتخشى عليه فصارت تلتفت إليه فإن هذا من الحاجة، فهذا لا بأس به لأنه عمل يسير يحتاج إليه الإنسان.
ثم اعلم أن الالتفات نوعان؛ التفات حسيٌّ بالبدن، والتفات معنويٌّ بالقلب؛ الالتفات في البدن معروف، وما أكثر الذين يُمكنهم أن يسيطروا على هذا الالتفات، أليس كذلك؟ لأنه يسير، عمل بدني يسير.