(وإقعاؤه وافتراشُ ذِراعَيْه ساجدًا) يعني: يُكْرَه أن يفترش ذراعيه حال السجود، وإنما قال: ساجدًا؛ لأن هذا هو الواقع، ولكن مع ذلك لو افترشهما جالسًا فهو أشد كراهة، مثل لو جلس وقال هكذا، يصير هذا أشد كراهة؛ لكن في حال السجود يُكْرَه أن يفترش ذراعيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اعْتَدِلُوا فِي السَّجُودِ، وَلَا يَبْسُطُ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ»(١٩)؛ لأن الكلب إذا جلس مدّد يديه على الأرض، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأن الإنسان لا ينبغي أن يتشبَّه بالحيوان.
فإن الله لم يذكر تشبيه الإنسان بالحيوان إلا في مقام الذمِّ؛ استمعوا إلى قوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}[الجمعة: ٥].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يتكلم والإمام يخطب:«كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا»(٢٠).
وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: ١٧٥، ١٧٦] هذا مقام ذمٍّ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ»(٢١).
إذن، فأنتم ترون الآن أن الإنسان لا يُشَبَّه بالحيوان إلا في حال الذم، وبناء على ذلك نقول: إذا كان التشبُّه بالحيوان في غير الصلاة مذمومًا ففي الصلاة من باب أولى؛ ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام:«لَا يَبْسُطُ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ»(١٩). كما نهى عن إقعاء كإقعاء الكلب.