وهذه -كما قلت لكم- تريحكم في كل ما يورده الشيطان على القلب من الإشكالات وما يريده جنود الشياطين؛ لأن هناك جنودًا للشياطين في هذه المسائل، يقول لك: هذا كيف يمكن؟ إذن لازم، إما أن تقول بالحلول: إن الله في الأرض، ولَّا أيش؟ ثم يورد عليك ها الشبه هذه، فتقول: أنا أؤمن بأن الله فوق كل شيء، وأنه قِبل وجه المصلي كما جاءت به النصوص، ولا أتعدى هذا.
الإشكال الثاني في الحديث: البصاق عن اليمين: علَّله النبي صلى الله عليه وسلم: بأنَّ على يمينه مَلَكًا. وهذا التعليل يشكل عليه؛ أن على يساره ملكًا أيضًا، كما قال تعالى:{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}[ق: ١٧] فهذا ملك وهذا ملك، فما الجواب عن هذا؟
الجواب عن هذا أن نقول: هناك طريقة ثانية أرشد إليها الرسول عليه الصلاة والسلام، قال النبي عليه الصلاة والسلام:«أَوْ يَقُولُ هَكَذَا»، وبسط ثوبه، ثم تفل، ثم قال:«هَكَذَا»(١٥). هذه طريقة ثانية للبصاق.
وفي هذه الحال لا يكون بصق عن يمينه، ولا عن شماله، ولا قِبل وجهه، ولكن إذا سلَّمنا الصفة الأولى أنه يتفل عن يساره قلنا: هذا أمر لا بد منه؛ لأنه إما أن يتفل عن يساره، أو عن يمينه، أو قِبل وجهه، أو من ورائه، ولا يمكن من ورائه إلا إذا انحرف عن القبلة.
وهذا شيء لا يمكن، إذن لا بد من أن يكون عن اليسار، ثم نقول: إن الملك الذي عن اليمين مرتبته أعلى من الملك الذي عن اليسار؛ حتى إنه جاء في بعض الآثار: أن الله أعطاه سلطة على الملَك الذي عن اليسار؛ بحيث لا يكتب ملك اليسار ما عمله العبد من السيئات إلا بعد إذن الملك اللي عن اليمين، فيقول الملك: انتظر، لعله يتوب، فلا تكتب عليه (١٦).
فإن صح هذا الأثر فهو واضح، وإن لم يصح فلا شك أن من كان عن اليمين أعلى مرتبةً ممن كان على اليسار، وكلهم ملائكة كرام، كما قال الله عز وجل: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: ١٠، ١١].