المصائب التي تصيب الإنسان في بدنه، في ماله، في أهله، كلها شر، لكن قد تكون خيرًا باعتبارٍ آخر، إنما هي من قضاء الله ولّا من غير قضاء الله؟ من قضاء الله، نفسك من الله، ولها شر ولّا ما لها شر؟ لها شر، اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي.
إذن:(قنا شر ما قضيت) أي: شر الذي قضيته.
لو قال قائل:(شر ما قضيت) أجعل (ما) مصدرية، وأقول: شر قضائك. قلنا: هذا لا يصح إلا إذا أردت بالقضاء المقضي، أما أن يكون قضاء الله نفسه؛ فإن قضاء الله ليس بشر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»، قال:«الْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»(٦).
ولهذا لا يجوز أن تقول: بيدك الخير والشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عدل عن قوله بيدك الخير والشر، إلى قوله:«وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ».
فإن قال قائل: ألستم تقولون: إن من الإيمانِ الإيمانَ بالقدر خيره وشره؟
نقول: نعم، نقول: هذا ولا بد، ولكن لنا على هذا جوابان: الجواب الأول: أن المراد بالقدر المقدور، والمقدور فيه الشر ولَّا لا؟ فيه الشر، فالشر باعتبار المفعول لا باعتبار الفعل.
الوجه الثاني أن نقول: إنه شر باعتبار الفعل، لكن هذا الشر يترتب عليه خير كثير، هو شر من قضاء الله، لكن فيه خير كثير، مراد به خير كثير، الفساد في البر والبحر شر، لكن خير {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم: ٤١]، ألست أنت تأتي بولدك الذي هو أحب الناس إليك، ولدك ريحانة، أحب الناس إليك، وهو مريض، وتأتي بالحديدة تحميها على النار حتى تتلهب وتكويه بها حتى يصرخ ويتألم، هذا شر ولّا ما هو بشر؟ شر لكن ثمرته خير، كذلك أفعال الله عز وجل هي شر باعتبار ذاتها، أما باعتبار ما أراد الله بها من الخير فهي خير.
فالشر إذن أمر نسبي، أما حقيقة فعل الله فإنه ليس بشر إطلاقًا، حتى لو وقع من الله عز وجل ما يسمى شرًّا فهو خير باعتبار آثاره الحميدة.