والمراد: قضاؤه الذي هو مَقْضِيُّه؛ لأن قضاء الله الذي هو فعله، وإن كان شرًّا لكنه في الحقيقة خير؛ لأنه لا يراد إلا لحكمة عظيمة، فالمرض مثلًا قد لا يعرف الإنسان قدر نعمة الله عليه بالصحة إلا إذا مرض، وقد يُحدث له المرض توبة ورجوعًا إلى الله، ومعرفة لقدر نفسه، وأنه ضعيف، وأنه محتاج إلى الله عز وجل، بخلاف ما لو بقي الإنسان صحيحًا معافى، فإنه قد ينسى قدر هذه النعمة، ويفتخر كما قال الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود: ٩، ١٠]؛ يعني: إذا أصابته النعمة فرح وفخر بها والعكس بالعكس، فالحاصل: أن قضاء الله عز وجل وإن كان يكون فيه شر فإنه خير من وجه آخر.
يقول:(قني شر ما قضيت)، فإن قال قائل: كيف نجمع بين قوله: (قني شر ما قضيت) وقوله صلى الله عليه وسلم: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»(٦)؟
فالجواب عن ذلك: أن نقول: إن الشر لا ينسب إليه؛ لأن ما قضاه وإن كان شرًا فهو خير، بخلاف غيره، فإن غير الله ربما يقضي بالشر لشر محض، ربما يعتدي عليك إنسان، على مالك، على بدنك، على أهلك، لقصد الشر والإضرار بك، لا لقصد مصلحتك، وحينئذٍ يكون فعله شرًا محضًا.
وفي قوله:(ما قضيت) إثبات القضاء لله، وقد بينا أن قضاء الله: شرعي، وقدري.