مثال ذلك: رجل صلى العصر في مسجده، ثم أتى إلى مسجد آخر ليحضر الدرس أو لغرض ما فوجدهم يصلون فإنه يصلي معهم؛ ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم صلاة الفجر في منى، فلما انصرف إذا برجلين قد اعتزلا لم يُصلِّيا مع الناس، فدعا بهما فجِيء بها ترعد فرائصهما -خوفًا وهيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يعني اتنفضوا كما نقول- فقال:«مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا؟ ». قالا: يا رسول الله، صلَّينا في رحالنا. فقال لهما:«إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ»(٢٥)«إِنَّهَا» أي: الصلاة الثانية «لَكُمَا نَافِلَةٌ» تطوع، وهذا صريح في جواز النفل في وقت النهي من أجل موافقة الجماعة.
انتبه هذا الحديث يدل على أنه تجوز إعادة الجماعة في وقت النهي، وهو صريح في هذا؛ لأنه جيء بهما بعد صلاة الفجر؛ يعني قد دخل وقت النهي.
وفي هذا الحديث دليل على أنه يُنكر على من جلس والناس يصلون؛ لأن ذلك شذوذ وخروج عن الجماعة، ومن هذا ما يفعله بعض الناس في قيام رمضان، إذا صلوا مع إمام يصلي ثلاثًا وعشرين ركعة، قالوا: نحن لا نزيد على عشر ركعات، ثم جلسوا، إما يتحدثون فيُشوِّشون على من حولهم، وإما يقرؤون فيما بينهم قرآنًا؛ يعني كل واحد يقرأ مع نفسه، وهذا لا شك أنه حرمان، وشذوذ عن الأمة، والشرع يريد من الأمة أن تكون مُتَّفِقة لا مختلفة، فهؤلاء أصابوا من وجه وأخطؤوا من وجه، وخطؤهم أعظم من صوابهم، صحيح أن الأفضل أن يقتصر الإنسان على إحدى عشرة ركعة، لكن ليس هناك نهي عن الزيادة.