أما من جَمَعَ الظهر والعصر، فدليله هو أن سُنَّة الظهر التي بعدها سُنَّة راتبة، ولا يمكن أن يفصل بين الظهر والعصر بها؛ لأن الجمع لا بد فيه من التوالي، فلا يمكن الجمع بدون توالي، فصار جوازها بعد صلاة العصر جواز ضرورة، وأما صلاة الجنازة فلعموم الأدلة في وجوب الصلاة على الميت، وفي أنه ينبغي الإسراع في دفنه.
يقول المؤلف رحمه الله:(ويحرم تطوع بغيرها في شيء من الأوقات الخمسة).
الأوقات الخمسة عرفتموها أنها بالبسط خمسة على المذهب، الآن نعدها على المذهب من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، من طلوعها حتى ترتفع قيد رمح عند قيامها حتى تزول من صلاة العصر حتى تشرع في الغروب إذا شرعت فيه حتى يتم.
يقول المؤلف:(ويحرم تطوع بغيرها) أي: بغير المتقدمات من إعادة الجماعة، وركعتي الطواف، وتحية المسجد لمن دخل والإمام يخطب.
(حتى ما له سبب) يعني: لا يجوز التطوُّع في هذه الأوقات حتى الذي له سبب؛ وذلك لعموم الأدلة في أنه «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»(٦)، وحديث عقبة بن عامر: أن نُصلِّي فِيهنَّ (٧)، وما أشبه ذلك.
قالوا: فالعموم مُقدَّم على العموم الثاني؛ لأن الذي له سبب في الواقع تعارض مع أحاديث النهي حيث كان كل منهما عامًّا من وجه، خاصًّا من وجه، ولنأخذ مثلًا: تحية المسجد، فيها قوله صلى الله عليه وسلم:«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ»(٨). هذا فيه عموم في الوقت، مستفاد من قوله:«إِذَا دَخَلَ»؛ لأن (إذا) شرطية ظرفية؛ يعني في أي وقت يدخل المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، هذا العموم.
فيه خصوص؛ وهو أن هذه الصلاة المأمور بها على سبيل العموم صلاة مخصوصة، وهي تحية المسجد؛ ففيه عموم وفيه خصوص.