(فإن لم يستطع فقاعدًا)(إن لم يستطع) يعني: إن لم يكن في طوعه القيام؛ وذلك بأن يعجز عنه، فإنه يصلي قاعدًا؛ لقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقوله:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين:«صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا»(١)، الدليلان الأولان عامان، والثالث خاص في نفس الصلاة.
وقوله:«فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ» في الحديث وقوله هنا: (فإن لم يستطع) ظاهره أنه لا يبيح القعودَ إلا العجزُ، وأما المشقة فلا تبيح القعود، ولكن الصحيح أن المشقة تبيح القعود، فإذا شق عليه القيام مشقة غير محتملة؛ يعني: بحيث كالقائم على الجمْر فإنه يسقط عنه القيام؛ لقوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وكما لو شق الصوم على المريض مع قدرته عليه فإنه يفطر ويدع الصوم، فكذلك هنا إذا شق القيام فإنه يصلي قاعدًا.
ولكن المشقة هل هي منضبطة أو لا؟ لأن بعض الناس قد يكون أحيانًا في تعب وسهر فيشق عليه القيام؟ نقول: المشقة الضابط فيها ما زال به الخشوع فهذه المشقة، وأيش معنى الخشوع؟ يعني: حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قام قلق قلقًا عظيمًا ولم يطمئن، وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله، فهذا قد شقَّ عليه القيامُ، فيصلي قاعدًا.
ومثل ذلك الخائف فإنه لا يستطيع أن يصلي قائمًا، كما لو كان يصلي خلف جدار وحوله عدو يرقبه؛ فإن قام تبين من وراء الجدار، وإن جلس اختفى به الجدار عن عدوه، فهنا نقول: له أن يصلي جالسًا؛ لإزالة الخوف، ويدل لهذا قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}[البقرة: ٢٣٩]، فأسقط الله عن الخائف الركوع والسجود والقعود، فكذلك القيام إذا كان خائفًا من القيام فله أن يصلي جالسًا.