الفائدة الأولى: أن لا يحصل الملل للمستمعين؛ لأن الخطبة إذا طالت، ولا سيما إن كان الخطيب يلقيها إلقاءً عابرًا، لا يُحرك القلوب ولا يبعث الهمم، فإن الناس يَمَلُّون، يتعبون منها، وإن كانوا جلوسًا يَمَلُّون.
الفائدة الثانية: أن ذلك أوعى للسامع.
وأيش معنى أوعى؟ يعني: أحفظ للسامع؛ لأنها إذا طالت أضاع آخرُها أولَهَا، وإذا قصرت أمكن وعيها وحفظها؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:«إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ» أي: علامة ودليل عَلَى فقهه، وأنه يراعي أحوال الناس.
أحيانًا تستدعي الحال إلى التطويل، فإذا أطال الإنسان أحيانًا، لاقتضاء الحال ذلك فإن هذا لا يخرج عن كونه فقيهًا؛ وذلك لأن الطول والقِصَر أمر نسبي.
وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يخطب أحيانًا بسورة (ق)(١٢)، وسورة (ق) مع الترتيل والوقوف على كل آية تكون طويلة لا شك.
(ويقصر الخطبة، ويدعو للمسلمين) يعني: ينبغي أيضًا أن يدعو في خطبته للمسلمين، أئمتهم ومأموميهم؛ يعني الرعية والرعاة؛ لأن ذلك الوقت ساعة ترجى فيه الإجابة، والدعاء للمسلمين لا شك أنه خير، فلهذا استحبوا أن يدعو للمسلمين.
ولكن قد يقول قائل: كون هذه الساعة مما تُرجى فيه الإجابة، وكون الدعاء للمسلمين فيه مصلحة عظيمة موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وما وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فتركه، هو السنة.
وهذه من القواعد المفيدة لطالب العلم: كل شيء وجد سببه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولم يفعله فتركه سنة؛ لأننا نقول: ما الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعله؟ هل هو جاهل في الحكم؟ كلا.