للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ولا يتخطى رقاب الناس)، قوله: (ولا يتخطى) هذه الواو للاستئناف، وليست عطفًا على ما سبق؛ لأننا لو جعلناها عطفًا على ما سبق لكان تقدير الكلام: (ويسن ألا يتخطى)، وليس الأمر كذلك، بل (لا) نافية (ولا يتخطى)، والواو استئنافية، وأقول: إن (لا) نافية، ولا أقول: إنها ناهية؛ لأن الألف موجودة: (يتخطى)، ولو كانت ناهية لحُذفت الألف للجزم.

فإذن (لا) نافية، هذا النفي من المؤلف يحتمل أنه للكراهة، ويحتمل أنه للتحريم، يحتمل هذا وهذا، وهذه المسألة خلافية، فالمشهور من المذهب أن تخطي الرقاب مكروه، والصحيح أن تخطي الرقاب حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل رآه يتخطى رقاب الناس: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ» (٤٥)، ولا سيما إذا كان ذلك أثناء الخطبة؛ لأنه إذا كان التخطي أثناء الخطبة صار فيه أذية للناس وإشغال لهم عن استماع الخطبة؛ إشغال لمن باشر تخطي رقبته، وإشغال لمن يراه ويشاهده، فتكون المعرَّة فيه واسعة.

على كل حال القول الراجح: أن التخطي حرام، ولا يجوز، سواء في أثناء الخطبة أو في غير ذلك.

قال المؤلف: (إلا أن يكون إمامًا) فإن كان إمامًا فلا بأس أن يتخطى؛ لأن مكانه متقدم، ولكن بشرط ألا يمكن الوصول إلى مكانه إلا بالتخطي، فإن كان يمكن الوصول إلى مكانه بأن كان في مقدَّم المسجد باب يدخل منه الإمام، فإنه كغيره في التخطي، وقد اعتاد الناس اليوم -والحمد لله- أن يجعلوا للإمام بابًا في مقدم المسجد حتى يدخل منه، وكانوا في الزمن السابق لما كانت البيوت لاصقة للمساجد من القبلة كان الإمام يدخل من الباب الشرقي، ويتخطى الرقاب، ولكن الناس لا يرون في هذا بأسًا؛ لأنه أيش؟ إمامهم، فلا يتأذون بذلك.

إذن قول المؤلف: (إلا أن يكون إمامًا) يحتاج إلى قيد أو لا؟ يحتاج إلى قيد، ما هو القيد؟ إلا أن يكون إمامًا، وليس له طريق سوى التخطي، فإن كان له طريق سوى التخطي فإنه لا يتخطى؛ لأن العلة واحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>