للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أو إلى فرجة) قوله: (أو إلى فرجة)؛ يعني إلى مكان متسع في الصفوف المقدمة، فإن كان هناك فرجة، فلا بأس أن يتخطى إليها.

فإذا قال قائل: الحديث عام: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ»، وربما يقول قائل: إن ظاهر الحال أن هناك فرجة؛ لأنه ليس من العادة أن يتخطى الإنسان الرقاب إلا إلى فرجة. ولكن الفقهاء رحمهم الله استثنوا هذه المسألة، قالوا: لأنه إذا كان ثمة فرجة فإنهم هم الذين جنوا على أنفسهم؛ لأنهم مأمورون أن يُكمِّلوا الأول فالأول، فإذا كان فرجة فقد خالفوا الأمر، وحينئذٍ يكون التفريط منهم وليس من المتخطي.

ولكن الذي أرى أنه لا يتخطى حتى ولو إلى فرجة؛ لأن العلة -وهي الأذية- موجودة، وكونهم لا يتقدمون إليها قد يكون هناك سبب من الأسباب، مثل: أن تكون الفُرجة في أول الأمر ليست واسعة، ثم مع التزحزح اتسعت، فحينئذٍ لا يكون منهم تفريط، فالأوْلى الأخذ بالعموم؛ ألا يتخطى إلى الفرجة.

يقول: (ويحرُم أن يُقيم غيرَه فيجلس مكانه إلا من قدَّم صاحبًا له في موضع يحفظه له).

(يحرم أن يقيم غيره) (أن يقيم) من؟ الإنسان (غيره) ممن جلس في المكان، ويجلس مكانه.

وقوله: (فيجلس مكانه) هذا قيد أغلبي؛ لأن الغالب أن الإنسان يقيم غيره من أجل أن يجلس في مكانه، ومع ذلك لو أقام غيره لا ليجلس في مكانه، قال: قُم عن هذا، وخلِّ المكان مفتوحًا، فإن التحريم باقٍ.

ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» (٤٦)، ونهيه صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه فيجلس مكانه (٤٧). ففي الحديث الأول بيان الأحقية، وفي الحديث الثاني تحريم الإقامة؛ أن يقيم غيره فيجلس مكانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>