للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعليل: لأن ذلك يحدث العداوة والبغضاء بين المصلين، وهذا ينافي مقصود الجماعة، إذ إن المقصود من الجماعة هو الائتلاف والمحبة، فإذا أقام غيره، ولا سيما أمام الناس، فلا شك أن هذا يؤذيه، ويجعل في قلبه ضغينةً على هذا الرجل الذي أقامه.

يقول: (إلا من قدم صاحبًا له) إلى آخره، يعني إلا شخصًا قدم صاحبًا له في موضع يحفظه له، مثل أن يقول لشخص ما: يا فلان، أنا عندي شغل، ولا يخلص شغلي إلا عند مجيء الإمام، فاذهب واجلس في مكان لي في الصف الأول، فإذا فعل وجلس في الصف الأول فله أن يقيمه؛ لأن هذا الذي أقيم أيش؟ وكيل له، ونائب عنه.

وظاهر كلام المؤلف أن هذا العمل جائز، أي يجوز لشخص أن يُنيب غيره ليجلس في مكان فاضل، ويبقى هذا المنيب حتى يفرغ من حاجاته، ثم يتقدم إلى المسجد.

وفي هذا نظر؛ أولًا: لأن هذا النائب لم يتقدم لنفسه، وربما يراه أحد فيظنه عمل عملًا صالحًا، وليس كذلك.

وثانيًا: أن في هذا تحيلًا على تحجُّر الأماكن الفاضلة لمن لم يتقدم، والأماكن الفاضلة مَنْ أحق الناس بها؟ مَنْ سبق إليها.

وظاهر كلام المؤلف أنه يحرم أن يقيم غيرَه، ولو كان الغَيْر صغيرًا، وهذا هو الصحيح، والمذهب أنه يجوز أن يقيم الصغير ويجلس مكانه، ولكن الصحيح أنه لا يجوز أن يقيم الصغير؛ أولًا: لعموم النهي: «لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ أَخَاهُ» (٤٨)، وثانيًا: لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»، وهذا الصبي سابق، فلا يجوز لنا أن نهدر حقه، وأن نظلمه ونقيمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>