للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما من قال بالجواز، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» (٢٤)، فقد استند إلى غير مستند له؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «لِيَلِنِي مِنْكُم أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» حث لأولي الأحلام والنُّهى أن يتقدموا، ولو قال: لا يلني إلا أولو الأحلام. لو قال هكذا، لكان لنا الحق في أن نقيم الصغير، أما لما قال: «لِيَلِنِي»، فأمر ذوي الأحلام والنُّهى أن يلوه، فالمعنى أن هؤلاء مأمورون بأن يتقدموا حتى يلوا الإمام، والحديث واضح وليس به دلالة لما ذهب إليه هؤلاء.

نقول: إن في إقامة الصغير عن مكانه مفسدة عظيمة بالنسبة للصغير، ما هي؟ أنه يبقى في قلبه كراهة للمسجد والتقدم إليه، وكراهة لمن أقامه، ولذلك لا ننسى ضربة أصابتنا من شخص ولحقنا في المسجد حتى أخرجنا منه -مع أننا ما لعبنا ولا شيء- فالصغير لا ينسى أبدًا، فإذا أقامه من مجلسه أو أمام الناس ولا سيما إذا كان له تمييز كالسابعة والثامنة، ينكسر قلبه ويتأثر بهذا تأثرًا كبيرًا، ويكره الرجل الذي أقامه، ويكره المسجد، ويكون في هذا تنفير للصبيان عن الصلاة، ففيه مفاسد.

ثم ولهذا القول الراجح في هذه المسألة الذي صوَّبه صاحب الإنصاف، وكذلك مال إليه صاحب الفروع، وصرح المجد به أيضًا جد شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه لا تجوز إقامة الصغير من مكانه.

ثم هناك مفسدة أيضًا أخرى غير ما سبق: إذا أقمنا الصغار من الصف الأول وجعلناهم في صف واحد مستقل، فناهيك باللعب، يلعبون لعبًا عظيمًا، لكن إذا أبقيناهم في الصف الأول، وصار كل طفل إلى جنب رجل قل لعبهم بلا شك، لهذا كلما تأملت هذا القول -أعني أنه لا يجوز إقامة الصغير- تبين لك أنه هو الصواب.

طالب: بالنسبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلائِكَةُ؟ ». قالوا: وكيف تصف الملائكة؟ قال: «يُتِمُّونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ» (٢٦) ( ... ).

<<  <  ج: ص:  >  >>