يقول رحمه الله الشارح:(وكُرِهَ إيثارُ غيرِه بمكانه الفاضل)؛ يعني: مثلًا أنا في الصف الأول فأردت أن أتأخر إكرامًا لشخص حضر ليجلس في مكاني، يقول المؤلف: إن هذا مكروه، لماذا؟ لأنه دليل على أن الإنسان لا يهتم بالشيء الفاضل، والدليل على هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام:«لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ والصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا»(١)، فبَيَّن الرسول عليه الصلاة والسلام أن الصف الأول من أهميته أن الناس لو لم يجدوا إلا المساهمة -يعني القرعة- لاقترعوا عليه، فكيف تُؤْثِر غيرك بهذا المكان وتتأخر أنت؟ ! هذا يدل على أن ما عندك رغبة في الخير، هذا هو التعليل في قول المؤلف:(وكُرِهَ إيثارُ غيره بمكانه الفاضل).
ولكن الصحيح في هذه المسألة أن الإيثار -إيثار الغير- إذا كان فيه مصلحة، كالتأليف مثل: لو كان الأمير يعتاد أن يكون في هذا المكان من الصف الأول وقمت فيه أنت، ثم حضر الأمير وتخلفت عنه وآثرت به الأمير، فهنا قد يكون في ذلك مصلحة، وهي تأليف القلوب، فيكون هذا الإيثار أيش؟ غير مكروه، بل ربما يكون أفضل من عدم الإيثار.
وما دمنا في الإيثار، فإنه ينبغي أن نتكلم عليه بتوسط، فنقول: الإيثار بالواجب حرام، والإيثار بالمستحب مكروه، والإيثار بالمباح مطلوب، والإيثار بالمحرم؟
طالب: واجب.
طالب آخر: ما يجوز.
الشيخ: ولا واجب، تُعِينُه على الإثم؟ ! الإيثار بالمحرم حرام على المؤثِر والمؤثَر.
الإيثار بالواجب حرام، مثاله: رجل عنده ماء لا يكفي إلا لوضوء رجل واحد، وهو يحتاج إلى وضوء، وصاحبه يحتاج إلى وضوء، فهنا لا يجوز أن يؤثره بالماء من أجل أن يتيمم هو، يحرم، لماذا؟ لأن استعمال الماء واجب عليه وهو قادر، ولا يمكن أن يسقط عن نفسه الواجب من أجل أن يؤثر غيره به.