للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استنبط بعض العلماء من هذا أن تحية المسجد واجبة، ووجه الاستنباط أن استماع الخطبة واجب، والاشتغال بالصلاة يوجب الانشغال عن استماع الخطبة، ولا يشتغل عن واجب إلا بواجب، وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم، وقالوا: إن تحية المسجد واجبة ولا بد، ولكن بعد التأمل في عدة وقائع تبين لنا أنها سنة مؤكدة، وليست بواجبة، ويمكن الانفكاك عن القول بأنه ينشغل بأن يقال: قد ينشغل، وقد يسمع بعض الشيء وهو يصلي، والإنسان يسمع وهو يصلي، ويفهم وهو يصلي؛ ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس فإذا سمع بكاء الصبي تجوز في صلاته (٥)، وهذا دليل على أن المصلِّي ليس ينشغل انشغالًا كاملًا، فالذي يترجح عندي أخيرًا أن تحية المسجد سنة مؤكدة، وليست بواجبة.

قال بعض العلماء: تُسَنُّ تحية المسجد لكل داخل مسجد إلا المسجد الحرام، فإن تحيته الطواف، ولكن هذا ليس على إطلاقه، بل نقول: إلا المسجد الحرام، فإن تحيته الطواف لمن دخل ليطوف، فإنه يستغني بالطواف عن الركعتين، أما مَن دخل ليصلي أو ليستمع إلى علم أو ليقرأ القرآن أو ما أشبه ذلك فإن المسجد الحرام كغيره من المساجد؛ لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» (٣)، ولأنه عليه الصلاة والسلام لما دخل المسجد الحرام للعمرة وللحج، لطواف الحج ولطواف العمرة، لم يصلِّ ركعتين (٦)؛ فعليه ينبغي أن نفهم هذه المسألة التي أطلقها بعض العلماء، ما هي؟ أن المسجد الحرام تحيته الطواف، نقول: هذا ليس على إطلاقه، بل تحيته الطواف لمن دخل ليطوف، هكذا تدل عليه السنة.

يقول: (ولا يجوز الكلامُ والإمام يخطب إلا له، أو لمن يكلمه لمصلحة).

إذا قيل: لا يجوز، فهي عند العلماء بمعنى يَحْرُم، وعلى هذا فالكلام والإمام يخطب حرام.

وقول المؤلف: (والإمام يخطب) جملة حالية كما سبق في قوله: (ومَنْ دَخَل والإمامُ يخطب).

<<  <  ج: ص:  >  >>