إذن الثامن إسراع التجهيز بشرط أن يموت غير فجأة، فإن مات فجأة وجب الانتظار، وبهذا التقرير نعلم خطأ ما يفعله بعض الناس مما حدث أخيرًا أنهم يؤخرون الميت حتى يأتي أقاربه، أحيانًا يكون أقاربه خارج المملكة في أوربا أو غيرها، فينتظرون به يومًا، أو يومًا وليلة من أجل حضور الأقارب، وهذا في الحقيقة جناية على الميت، الميت إذا كان من أهل الخير فإنه يود أن يدفن سريعًا؛ لأنه يبشَّر بالجنة عند موته -نسأل الله أن يجعلنا منهم- وإذا خُرِجَ به من بيته تقول نفسه: قدموني قدموني، تحُثهم على أن يوصلوها إلى القبر، فإذا حبسناه عما أعد الله له من النعيم صار في هذا جناية عليه مع مخالفة السنة، أصبحت الآن الجنازة وكأنها حفل عرس ينتظر به القادم حتى يحضر، وهذا لا شك أنه خلاف السنة من وجه، وجناية على الميت من وجه آخر.
أما إذا أخر مثلًا لساعة أو ساعتين أو نحوهما من أجل كثرة الجمع فلا بأس بذلك، كما لو مات بأول النهار وأخرناه إلى الظهر ليحضر الناس، أو إلى صلاة الجمعة إذا كان في صباح الجمعة؛ ليكثر الناس عليه، فهذا لا بأس به؛ لأنه تأخير يسير لمصلحة، مصلحة من مصلحة الميت، فلا بأس به.
فإن قال قائل: كيف نجيب عن فعل الصحابة رضي الله عنهم، حيث لم يدفنوا النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء، مع أنه توفي يوم الاثنين؟
فالجواب عن ذلك أنه من أجل إقامة الخليفة بعده، حتى لا يبقى الناس بلا خليفة، فالإِمام الأول محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم توفي، فلا نواريه بالتراب ونغيبه عن ظهر الأرض حتى نقيم خليفة بعده، وهو مما يحثهم على إنجاز إقامة الخليفة، وتعلمون أنه من حين ما بويع أبو بكر رضي الله عنه شرعوا في تجهيز النبي صلّى الله عليه وسلّم ودفنه.
وعلى هذا فإذا مات الخليفة، وكان لم يعين من يخلفه، فلا حرج أن يؤخر دفنه حتى يقام خليفة بعده.