ودليل آخر هو قول النبي عليه الصلاة والسلام للنساء اللاتي يغسلن ابنته قال:«اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ»(١٩)، قال:«اغْسِلْنَهَا»، والأصل في الأمر الوجوب.
وهذان دليلان أثريان.
أما الدليل النظري فلأن هذا من حقوق المسلم على أخيه، بل هو من أعظم الحقوق أن يقدم الإنسان أخاه إلى ربه على أكمل ما يكون من الطهارة.
وأما التكفين فهو أيضًا فرض كفاية، ودليله قوله صلّى الله عليه وسلّم:«كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ»(١٨). كفنوه، فهنا أمر قال:«كَفِّنُوهُ»، والأصل في الأمر الوجوب، ومن المعلوم أنه واجب كفاية؛ لأنه لا يمكن أن يؤمر كل واحد من الناس أن يكفن الميت، وإنما المقصود أن يحصل الكفن. وهذا هو الفرق بين فرض الكفاية وفرض العين، فرض العين مطلوب من كل واحد، وفرض الكفاية المطلوب فيه وجود الفعل، هذا هو الفرق بين فرض الكفاية وفرض العين، أن فرض العين مطلوب من كل واحد، وأن فرض الكفاية المطلوب فيه أيش؟ الفعل، إذا حصل فهذا هو المطلوب.
وقوله:(والصلاة عليه)، الصلاة عليه أيضًا فرض كفاية؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي على الأموات باستمرار، وكان يقول:«صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ»(١٤). وأمر أن يصلى على المرأة التي رجمت (٢٠). وقال الله عز وجل:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}[التوبة: ٨٤]، فلما نهى عن الصلاة على المنافقين دل على أن الصلاة على المؤمنين شريعة قائمة، وهو كذلك.