قوله:(لا يرفع الحدث غيره) التراب في التيمم يرفع الحدث ولَّا لا؟ المذهب لا، والصواب أنه يرفع الحدث؛ لأن الله عز وجل يقول:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}[المائدة: ٦]، ومعنى التطهير: أن الحدث ارتفع؛ ولقول النبي عليه الصلاة والسلام:«جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»(١٤).
فإذن التراب مطهِّر، ومعنى ذلك أنه رافع للحدث، وهذا هو الصواب؛ أنه يرفع الحدث، لكنه إذا وجد الماء أو زال السبب الذي من أجله تيمم؛ كالجرح برئ، فإنه يجب عليه أن يتوضأ، أو أن يغتسل إن كان قد تيمم عن جنابة.
وقوله:(ولا يزيل النجس الطارئ غيره) يعني: لا يزيل النجس إلا الماء، الدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام في دم الحيض يصيب الثوب:«تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ»(١٥)، الشاهد في قوله:«بِالْمَاءِ»، فهذا الدليل على تعين الماء لإزالة النجاسة.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الأعرابي الذي بال في المسجد:«هَرِيقُوا عَلَى بُوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ»(١٦)، ولأنه لما بال الصبيُّ على حِجْره دعا بماء فأتْبَعَهُ إِيَّاه (١٧).
فدل هذا على أنه لا يزيل النجس إلا الماء، لو أزلنا النجاسة بغير الماء؛ أزلناها بالبنزين أو بسبرتو أو بمطهر آخر، تطهر ولَّا ما تطهر؟ ما تطهر على كلام المؤلف.
لا يزيل النجس إلا الماء، كما لا يرفع الحدث إلا الماء، ولكن هذه المسألة أيضًا فيها نظر.
والصواب: أنه إذا زالت النجاسة بأي مزيل كان طهرت؛ لأن النجاسة عين خبيثة، فإذا زالت زال حكمها، ما هي وصف كالحدث لا يزال إلا بما جاء به الشرع، هذه عين متى زالت زال حكمها.