للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لماذا ييمم؟ قالوا: لأن تغسيل الميت طهارة مأمور بها، فإذا تعذر تطهيره بالماء عدلنا إلى بدله وهو التراب. وأظن فيه قولًا بأنه لا ييمم إذا تعذر غسله؛ لأن هذه ليست طهارة حدث، إنما هي طهارة تنظيف؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكَثَرَ مِنْ ذَلِكَ» (٦)، وطهارة الحدث لا تزيد على ثلاث، فإذا كان المقصود تنظيف الميت، وتعذر الماء، فإن استعمال التراب لا يزيده إلا تلويثًا، فتجنبه أولى.

فإذا كان هذا قد قيل فهو أقرب إلى الصواب من القول بتيميمه، وإن كانت المسألة إجماعًا؛ يعني: ييمم من تعذر غسله، فالإجماع لا تجوز مخالفته؛ لأن هذه الأمة لا تجمع على ضلالة.

ثم قال: (وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنًا) (على الغاسل) غاسل من؟ غاسل الميت. (ستر ما رآه) من الميت، (إن لم يكن حسنًا) الميت ربما يُرَى منه ما ليس بحسن؛ إما ليس بحسن من الناحية الجسدية، وإما ليس بحسن من الناحية المعنوية، قد يُرَى -والعياذ بالله- وجهه مظلمًا متغيرًا كثيرًا عن حياته، فلا يجوز للإنسان أن يتحدث إلى الناس، ويقول: إني رأيت وجهه مظلمًا؛ لأنه إذا قال ذلك ظنَّ الناس به سوءًا. وقد يكون وجهه مسفرًا، حتى إن بعضهم يُرى بعد موته متبسمًا، هذا أيضًا يستر أو لا؟ هذا لا يستره.

أما السيء من الناحية الحسية؛ فإن الميت قد يكون في جلده أشياء من التي تسوؤه إذا اطَّلع الناس عليها، كما قال الله تعالى في قصة موسى: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [طه: ٢٢]، فإنه قد يكون فيه برص يكره أن الناس تطلع عليه، فلا يجوز للإنسان أن يقول: رأيت فيه برصًا، وقد يتغير لون الجلد ببقع سوداء، والظاهر -والله أعلم- أنها دموية تكون، أيضًا لا يبرزها للناس يجب أن يسترها.

<<  <  ج: ص:  >  >>