للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: (وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَّى عَلَى القَبْرِ)، من فاتته الصلاة عليه فلم يُدْرِك فإنه يصلِّي على القبر إن أدركها قد دُفِنَت، وإلا صلى عليها ولا ينتظر؛ لأن الصلاة على القبر إنما تكون للضرورة، إذا لم يمكن حضور الميِّت بين يديه فإنه يصلي على القبر، ودليل ذلك قصة المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد؛ أي ترفع قمامته وتنظفه منها، ماتت ليلًا ولم يُؤْذَن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، تحقيرًا لشأنها من وجه، ولئلا يَشُقُّوا على النبي صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، فلما أصبح، أو فلما سأل عنها أخبروه أنها ماتت، فقال: «هَلَّا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟ »، أي: أخبرتموني، فقالوا كأنهم صغَّروا من شأنها، ثم قال: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا» (٢٥)، فخرج بنفسه عليه الصلاة والسلام، وصلَّى على قبرها، وفي هذا من عناية الرسول عليه الصلاة والسلام بأهل الخير، حتى إنها امرأة سوداء، عنايته بأهل الخير الذين يعملون الخير الآن مما هو ظاهر، هذه ليس من عملها إلا أنها تَقُمُّ المسجد، وفيه أيضًا عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالمساجد، كما جاء في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور، وأن تُنَظَّف وتُطَيَّبَ (٢٦).

وفيه أيضًا تواضع النبي صلى الله عليه وسلم للخروج إلى قبرها ليصلي عليها، وإلا فبإمكانه أن يدعو لها في مكانه، لكنه خرج تواضعًا لله وتعظيمًا لشأن هذه المرأة السوداء، وشكرًا لها على عملها، ولكن كيف يصلَّى على القبر صلاة الجنازة؟

المعروف إن كان رجلًا وقف عند رأسه، وإن كان أنثى عند وسط القبر، فيجعل القبر بينه وبين القبلة.

قال: (وَعَلَى غَائِبٍ بِالنِّيَّةِ)؛ لأن الغائب ليس بين يديه حتى ينوي يصلي على شيء مشاهَد، ولكن (بالنية إلى شهر)، فالصلاة على الميت إما أن يكون بين يديه، وذلك قبل الدفن أو بعده على القبر، وإما أن يكون غائبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>