للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الأول: أنه يصلى على كل ميت غائب ولو صلى عليه آلاف الناس، وبناء على هذا القول اتخذ بعض العلماء عملًا لا يشك أحد أنه بدعة، فقال: إذا أردت تنام فصل صلاة الجنازة على كل من مات في اليوم والليلة، كلما أردت تنام صلِّ صلاة الغائب على من؟ كل من مات من المسلمين، انو الصلاة عليه تؤجر أجرًا كثيرًا، كم مات مثلًا في هذا اليوم والليلة؟ قد يكون آلاف ماتوا، فيكون لك أجر آلاف الصلوات، ولكن هذا القول لا شك أنه بدعة؛ لأن أعلم الناس بالشرع، وأرحم الناس بالخلق، وأحب الناس أن ينفع الناس من؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، هل كان كل ليلة يصلي على الناس؟ ! ولا خلفاؤه الراشدون ولا عُلِمَ عن أحد من الصحابة، فهو بدعة.

وقال بعض العلماء: يصلى على الغائب إذا كان فيه غناء للمسلمين؛ يعني: منفعة، كعالم نفع الناس بعلمه، وتاجر نفع الناس بماله، ومجاهد نفع الناس بجهاده، وما أشبه ذلك يصلى عليه شكرًا له، وردًّا لجميله، وتشجيعًا لغيره أن يفعل مثل فعله، وهذا قول وسط اختاره كثير من علمائنا المعاصرين وغير المعاصرين.

والقول الثالث: لا يصلى على غائب إلا من لم يصلَّ عليه، حتى وإن كان كبيرًا في علمه أو ماله أو جاهه أو غير ذلك، فإنه لا يُصَلَّى عليه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واستدل لذلك بأن الصلاة على الجنازة عبادة، والعبادة لا تشرع إلا من الكتاب والسنة، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على غائب إلا على النجاشي؛ لأنه مات بين أمة مشركة، أولًا ليسوا من أهل الصلاة، والمؤمن منهم -إن من كان منهم أحد آمن- لا يعرف عن كيفية الصلاة شيئًا، فأخبر به النبي عليه الصلاة والسلام في اليوم الذي مات فيه، وهو في الحبشة والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأخبر الناس بذلك، وقال: «إِنَّهُ مَاتَ رَجُلٌ صَالِحٌ» (٢)، وفي بعض الروايات: «أَخُوكُمْ»، ثم أمرهم أن يخرجوا إلى المصَلَّى.

<<  <  ج: ص:  >  >>