للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمشهور من المذهب عند الحنابلة أنها تُكْرَه، والكراهة عندهم للتنزيه، يعني فلو زارت المرأة القبور فإنه لا إثم عليها.

والصحيح أنها من كبائر الذنوب، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن زائرات القبور، واللعن لا يكون إلا على كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن معناها الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وهذا وعيد شديد.

أما من جهة النظر فلأن المرأة ضعيفة التحمل، قوية العاطفة، سريعة الانفعال، لا تتحمل أن تزور القبر، وإذا زارته حصل لها من البكاء والعويل، وربما شق الجيوب، ولطم الخدود، ونتف الشعور، وما أشبه ذلك، ثم إذا ذهبت وحدها إلى المقابر فالغالب أن المقابر تكون في مكان خالٍ في أطراف البلد، يُخْشَى عليها من الفتنة أو العدوان عليها، فكان القياس، وهو النظر الصحيح، موافقًا للأثر، وهو مَنْعُها من زيارة القبور ولَعْنُها.

استثنى الأصحاب -يعني الفقهاء؛ فقهاء الحنابلة- استثنوا قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقبري صاحبيه، وقالوا: إن زيارة النساء لهذه القبور الثلاثة لا بأس بها، وعَلَّلُوا ذلك بأن زيارتهن لهذه القبور الثلاثة لا يصدق عليها أنها زيارة؛ لأن بينها وبين هذه القبور ثلاثة جُدُر، كما قال ابن القيم:

فَأَجَابَ رَبُّ الْعَالَمِينَ دُعَاءَهُ

وَأَحَاطَهُ بِثَلَاثَةِ الْجُدْرَانِ

فهن وإن وقفن على الحجرة لم يَصِلْنَ إلى القبر، فلا تكون زيارتهن زيارة حقيقية، وعلى هذا فيُسْتَثْنَى من قوله: (إلا للنساء) أيش؟ قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقَبْرَا صاحبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>