والذي يترجح عندي أنه لا استثناء؛ لأن وصولهن إلى محل القبور إما أن يكون زيارة أو لا يكون، فإن كان زيارة وقعن في الكبيرة، وإن لم تكن زيارة فلا فرق بين أن يحضرن إلى مكان القبر، أو أن يُسَلِّمْنَ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعيد، وحينئذ يكون مجيئهن إلى القبور لغوًا لا فائدة منه، بل في زمننا هذا قد يكون هناك مزاحمة للرجال، وأعمال لا تليق بالمرأة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن قال قائل: ما تقولون في حديث عائشة رضي الله عنها أنها زارت قبر أخيها (١٠)؟
قلنا: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يعارَض بقول أحد كائنًا مَن كان، وها هي عائشة تقول: شَبَّهْتُمُونَا بالحمير والكلاب (١١)، يعني في قطع الصلاة إذا مَرَّت المرأة من بين يدي المصلي، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صرَّح بأن هذه الثلاثة: الكلب الأسود، والحمار، والمرأة، تقطع الصلاة، فهي رضي الله عنها غير معصومة، ولا يمكن أن يُسْتَدَلَّ بفعلها على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن قيل: ما تقولون في حديثها الثابت في صحيح مسلم حين فقدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة وطلبته، ثم أدركته في البقيع، خرج في البقيع يسلِّم عليهم، ثم رجع من البقيع، ورجعت هي قبله، حتى أدركها في البيت، ثم سألها: ما لها حَشْيَا رَابِيَة، يعني قد ثار نَفَسُهَا، فأخبرته وقالت: يا رسول الله، أرأيت -يعني إن خرجت- ماذا أقول؟ قال: قولي: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ». (١٢) إلى آخره؟
فالجواب عن ذلك أن نقول: يُفَرَّقُ بين المرأة إذا خرجت لقصد الزيارة، وإذا مَرَّت بالمقبرة بدون قصد الزيارة، فإذا مرت بالمقبرة بدون قصد الزيارة فلا حرج أن تُسَلِّم على أهل القبور، وأن تدعو لهم بما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة، وأما إذا خرجت لقصد الزيارة فهذه زائرة للمقبرة، فيصدق عليها اللعن.