ثم قال المؤلف:(وإذا أخذ من ملكه أو موات من العسل مئة)(مئة) هذه مفعول (أخذ)، (إذا أخذ مئة وستين رطلًا عراقيًّا ففيه عشره)، أفادنا المؤلف رحمه الله وجوب الزكاة في العسل، ونحن نتكلم على هذه المسألة، العسل معروف أنه ليس مما يخرج من الأرض، وإنما يخرج من بطون النحل؛ كما قال الله تعالى:{يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}[النحل: ٦٩]، فليس خارجًا من الأرض، لكنه يشبه الخارج من الأرض؛ بكونه يجتنى في وقت معين كما تجتنى الثمار، وقد ضرب عمر رضي الله عنه عليه ما يشبه الزكاة، وهو العشر، فاختلف أهل العلم رحمهم الله: هل في العسل الزكاة، أو أن ما ضربه عليه عمر ليس زكاة، ولكنه اجتهاد لحال مخصوصة؛ لأنه لا يصدق عليه قول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}[البقرة: ٢٦٧].
فالمسألة فيها خلاف، وميل صاحب الفروع ابن مفلح رحمه الله أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو من أعلم الناس بالفقه عند شيخ الإسلام ابن تيمية، حتى كان ابن القيم يرجع إليه -أي: إلى ابن مفلح- يسأله عما يقوله الشيخ في المسائل الفقهية، يميل رحمه الله إلى أنه لا زكاة في العسل؛ لأنه ليس في القرآن ولا في السنة ما يدل على ذلك، والأصل براءة الذمة حتى يقوم دليل على الوجوب، وعلى هذا القول لا حاجة أن نعرف نصاب العسل ما هو.
أما على القول بالوجوب -وهو المشهور من المذهب- فيقولون: إن نصابه مئة وستون رطلًا عراقيًّا، وهو يقارب اثنين وستين كيلو في معايير أوزاننا الآن، فإذا أخذ هذا المقدار وجب عليه عُشره؛ لأنه يشبه الثمر الذي سقي بلا مؤونة؛ لأنه ما في كلافة إلا أخذه وجنيه، كما أن الثمر الذي يسقى بلا مؤونة ليس فيه من المؤونة إلا أخذه، فعلى هذا يجب فيه العشر ويُصرف مصرف الزكاة.