للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] فأقسم الله تعالى بربوبيته لرسوله صلى الله عليه وسلم التي هي أخص ربوبية قسما مؤكدًا على ألا إيمان إلا بأن نُحكم النبي صلى الله عليه وسلم في كل نزاع بيننا، وألا يكون في نفوسنا حرج وضيق مما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نُسلم لذلك تسليمًا تامًّا بالانقياد الكامل والتنفيذ.

وتأمل كيف أكد التسليم بالمصدر فإنه يدل على أنه لا بد من تسليم تام لا انحراف فيه ولا توان. وتأمَّل أيضًا المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه، فالمقسم به ربوبية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، والمقسم عليه هو عدم الإيمان إلا بتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم تحكيمًا تامًّا يستلزم الانشراح والانقياد والقبول، فإن ربوبية الله لرسوله تقتضي أن يكون ما حَكم به مطابقًا لما أذِن به ربُّه ورضيه، فإن مقتضى الربوبية الخاصة بالرسالة ألا يُقره على خطأ لا يرضاه له، وإذا لم يظهر له الحق من الكتاب والسنة وجب عليه أن يأخذ بقول من يغلب على ظنه أنه أقرب إلى الحق بما معه من العلم والدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ» (١)، وأحق الناس بهذا الوصف الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضوان الله عليهم أجمعين؛ فإنهم خلَفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته في العلم والعمل والسياسة والمنهج، جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>