للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظاهر كلام المؤلف أنه لا يُشترط أن يكون سيدًا مُطاعًا في عشيرته، والمذهب أنه لا بد أن يكون سيدًا مُطاعًا في عشيرته؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما أَعْطَى المؤلَفَة قلوبهم إنما أعطى الكُبَرَاء والوُجهاء في عشائرهم وقبائلهم، ولم يُعطِ عامة الناس، ولأن الواحد من عامَّة الناس لا يضر المسلمين عدم إيمانه أو ضعف إيمانه، ولا يضر المسلمين شره؛ لأنه من الممكن أن نحبسه أو نضربه أو نقيم عليه الحد في أمر يُحَدُّ فيه، أو ما أشبه ذلك، بخلاف الوجهاء والكُبَرَاء فإنه قد يتعذر مثل ذلك في حقهم، فيُعْطَون من الزكاة لتأليف القلب.

وهذا ظاهر في بعض المسائل التي عدَّها المؤلف؛ وهي كَفُّ الشر مثلًا، فإن كَفَّ الشر إذا كان الشر من واحد غير ذي أهمية وليس مُطاعًا وليس سيدًا فإننا لا نحتاج أن نعطيه من الزكاة، نعطيه بدل الدرهم ضربة في ظهره حتى يتوب ويكف شره عن المسلمين.

أما قوة الإيمان ورجاء الإسلام، فالقول بأنه يُعْطَى من لم يكن سيدًا مُطاعًا في عشيرته لذلك قول قوي، والعلة فيه ما أشرنا إليه من أن حفظ الدين وإحياء القلب أَوْلَى من حفظ الصحة وإحياء البدن، فلهذا ما ذكره المؤلف من المسائل منها ما يمكن دَفْعُه بدون إعطائه من الزكاة؛ كفرد واحد شرير، فهنا يمكن أن ندفع شره بتأديبه وعقوبته، بخلاف قوة الإيمان ورجاء الإسلام.

وقول المؤلف: (مِمَّنْ يُرْجَى إِسْلامُهُ) إلى آخره، إذا قال قائل: ماذا نعطيه؟ هل نعطيه قليلًا أو كثيرًا؟

فيقال: الحكم المعلَّق بوصف يثبت ما دام الوصف باقيًا، فنعطيه من الزكاة ما يتحقق تأليفه به؛ فإذا مال إلى الإسلام -مثلًا- وعرفنا منه قوة الإيمان، أو كف شره إذا كان من السادة المطاعين في عشائرهم، فإننا لا نعطيه؛ لأن ما عُلِّقَ بوصف يثبت بثبوته، ويزول بزواله.

وهنا هل يُعْطَى هؤلاء لحاجتهم، أو للحاجة إليهم؟

طالب: الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>