والأسر تارة يكون بقتال؛ كما لو قاتَلْنا الكفار، فأسَرُوا مِنَّا مَنْ أسَرُوا، وتارة يكون باغتصاب، وهو ما يسمى بالعرف (الاختطاف)، فالمختَطَف أسير يُفَكُّ من الزكاة، ولكن المؤلف اشترط أن يكون مسلمًا، فأما لو أُسِرَ مُعاهَد أو ذِمِّي فإنه لا يجوز أن نُعْطِيَ من الزكاة في فَكِّه؛ لأن حرمته أدنى من حرمة المسلم فلا يُعْطَى منها.
وقوله:(يُفَكُّ منها الأسيرُ المسلِمُ) إذا قال قائل: هذا خلاف ظاهر الآية؛ لأن الرقبة في اللغة العربية، بل في المعنى الشرعي اسم للعبد الرقيق؛ كقوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[النساء: ٩٢]، فكيف يُفَكُّ منها الأسير؟
الذين قالوا بجواز ذلك قالوا:
أولًا: أن في ذلك دَفْعًا لحاجته، كدَفْع حاجة الفقير.
وثانيًا: أنه إذا جاز أن يفك العبد من الرِق؛ رِق العبودية، فهذا نفكه أيضًا من شيء قد يكون أعظم من رق العبودية؛ وهو أنه معرض للقتل، لا سيما إن هدَّد الآسِر بقتله إن لم يُدفع إليه مال.
وقوله:(يُفَكُّ منها الأسيرُ المسلِمُ) مَنْ نعطي المال عند فك الأسر؟ نعطيه الآسرين.
إذن عندنا نوعان من الرقاب، الأول المكاتَب، والثاني الأسير المسلم.
بقي نوعان؛ أن نشتري من الزكاة رقيقًا فنُعْتِقَه، فهل يجوز؟
نقول: نعم، يجوز؛ لأنه داخل في عموم -هذا موجود في الروض المربع عندكم- لأن قوله:{فِي الرِّقَابِ} يشمل هذه الصورة، ولا سيما إذا كان هذا الرقيق عند سيدٍ يؤذيه، أو عند سيدٍ لا يُؤْمَن عليه فإنه يُشترَى من الزكاة ويُعْتَق.
بقي نوع رابع: أن يكون عند الإنسان عبدٌ فيُعتِقَه من الزكاة، فهذا لا يجزئ؛ لأن هذا بمنزلة إسقاط الدَّيْن عن الزكاة؛ يعني: بمنزلة أن يكون للإنسان دَيْن عند شخص فقير، فيسقِطَه عنه ويحسِبُه من الزكاة، فهذا لا يجوز.
فصار عندنا أربعة أنواع؛ المكاتَب، الأسير المسلم، رقيق يُشترى فيُعْتَق، هذه الثلاثة جائزة، الرابع: رقيق يُعتقه سيده فيحسِبُه من الزكاة، فهذا لا يجزئ.