فالبَيْن: يجوز أن يكون من البَيْنونة، وهي الانفصال، ويكون الوصل يعني القطع، أي: إصلاح القطع، ويجوز أن يكون الوصل يعني إصلاح ذات الوصل أي ما تحتاج إلى وصل.
وعلى كل حال فإصلاح ذات البَيْن أن يكون بين جماعة وجماعة أخرى عداوة وبغضاء ربما تصل إلى فتنة كبيرة، فيأتي رجل من أهل الخير ويصلح بين القبيلتين، لكن قد لا يتمكن من الإصلاح إلا ببذل مال، فيقول: أنا ألتزم لكل واحد منكم بعشرة آلاف ريال وأصلِحوا ذات بينكم. فيوافقون على هذا، فيعطَى هذا الرجل من الزكاة ما يدفعه في هذا الإصلاح، والمثال الذي ذكرنا يعطَى فيه كم؟
طالب: عشرة.
طالب آخر: عشرين.
الشيخ: عشرين، يُعطَى فيه عشرين؛ عشرة لهؤلاء وعشرة لهؤلاء، فإنْ وفَّى من ماله فإنه لا يُعطَى؛ لأنه إذا وفَّى من ماله لا يكون غارمًا؛ إذ إنه الآن ليس عليه دين إن بذل من ماله، ولكن ينبغي أن نُفَصِّل فنقول: إن دفع من ماله بنية الرجوع على الزكاة فإنه يُعطَى.
أما إذا دفع من ماله بنية التقرب بذلك إلى الله، أو دفع من ماله وليس على باله أن يرجع على مال الزكاة فهذا لا يُعطَى، فيكون على هذا يُعطَى الغارم لإصلاح ذات البَيْن إذا لم يوفِ ما غَرِم، وإذا أوفاه بنية الرجوع على مال الزكاة، عرفتم؟
أما الأول فظاهر؛ لأن ذمته مشغولة، وأما الثاني فلِئَلَّا نَسُد باب الإصلاح؛ لأن الحال قد تقتضي الدفع فورًا في الإصلاح بين القبيلتين، فإذا كانت قد تقتضي الدفع فورًا فماذا يصنع؟ إنْ أخَّر الدفع عاد الأمر كما كان، وإن دفع وقلنا: يَغْرَمُه، لما دفعه من ماله لا يُعطَى شيئًا صار في هذا سدٌّ لهذا الباب العظيم، الذي قال الله عنه:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء: ١١٤].
فعلى هذا نقول: الغارم لإصلاح ذات البَيْن يُعطَى من الزكاة في حالَيْنِ، ولا يُعطَى من الزكاة في حالين.