الشيخ: كشدة الحاجة، والقرابة أيضًا، تتصدق على القريب أفضل من البعيد.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:(وَتُسَنُّ بِالفَاضِلِ عَن كِفَايَتِهِ وَمَنْ يَمُونُهُ)، (تُسَنُّ) أي: يُسَنُّ أن يكون التصدق بشيء فاضل عن كفايته.
(وَمَنْ يَمُونُهُ) أي: وكفاية مَنْ يَمُونُهُ، أي: مَن تلزمه مَؤُونته، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه آله وسلم:«الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»(١١)، «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»، فدل هذا على أن صدقة التطوع تأتي في الدرجة الثانية بعد كفاية مَن يَعُولُهم، وقال عليه الصلاة والسلام:«خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى»(١١)، أي: عن فاضل غِنًى.
فإن قال قائل: ما الجواب عن جواب النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئِل: أي الصدقة أفضل؟ قال:«جُهْدُ الْمُقِلِّ»(١٢)؟
فالجواب: أن لا منافاة؛ فإن المراد بِجُهد الْمُقِل ما زاد عن كفايته وكفاية مَن يَمُونُه، وهو خلاف الغني، فإذا تصدق رجل بعشرة دراهم وهي الفاضل عن كفايته فقط، وآخر بعشرة دراهم وعنده عشرة ملايين، أيهما أفضل؟
طلبة: الأول.
الشيخ: الأول؛ لأن هذا جهده، وذاك عشرة ريالات بالنسبة لعشرة ملايين ليست بشيء، ما الذي يقابل عشرة ريالات من عشرة ملايين، إذا قدَّرنا أن الأول ماله ألف؟
طلبة: جزء من ألف.
الشيخ: ألف ريال، فعلى كل حال، إذا تأمَّلْت الحديثين لن تجد بينهما منافاة؛ لأن المراد بجُهْد الْمُقِلّ ما زاد عن كفايته، لكنه ليس ذا غِنًى واسع.