نعم، وربما يهون على بعض الناس أن يبذل ألف درهم ولا يصلي ركعة واحدة، هكذا، فجاءت الشريعة بالتقسيم والتنويع حتى يُعرَف مَنْ يمتثل تعبدًا لله، ومن يمتثل تبعًا لهواه.
فالصلاة مثلًا عبادة بدنية محضة، وما يجب لها مما يحتاج إلى المال كماء الوضوء الذي يشتريه الإنسان وثياب ستر العورة فهو تابع، وليس داخلًا في صلب العبادة.
والزكاة مالية محضة، وما تحتاج إليه من عمل بدني كإحصاء المال وحسابه، ونقل الزكاة إلى الفقير والمستحِق فهذا يعتبر تابعًا ليس داخلًا في صلب العبادة.
والحج مركب من مال وبدن إلَّا في أهل مكة فقد لا يحتاجون إلى المال، لكنَّ هذا شيء نادر بالنسبة أو قليل بالنسبة لغير أهل مكة.
الجهاد في سبيل الله مركب من مال وبدن، وربما يستقل بالمال، وربما يستقل بالبدن؛ فالجهاد من حيث التركيب أعم العبادات؛ لأنه قد يكون بالمال فقط، وقد يكون بالبدن فقط، وقد يكون بهما جميعًا.
ثم إن التكليف أو العبادات المكلَّف بها تتنوع من وجه آخر إلى كَفٍّ عن المحبوبات، وإلى بذل للمحبوبات، وهذا نوع تكليف أيضًا؛ كَفٍّ عن المحبوبات مثل الصوم.
بذل للمحبوبات كالزكاة؛ فإن المال محبوب إلى النفس، ولا يبذل المال المحبوب إلى النفس إلا لشيء أحب إليه منه، وكذلك الكفُّ عن المحبوبات هو أيضًا تكليف، وربما يهون على المرء أن يُنفق ألف درهم ولا يصوم يومًا واحدًا أو بالعكس؛ ومن ثَمَّ استحسن بعض العلماء استحسانًا مبنيًّا على اجتهاد لكنه سيء، حيث أفتى بعضَ الأمراء أن يصوم شهرين متتابعين بدلًا عن عتق الرقبة في الجماع في نهار رمضان، وقال: إن ردع هذا الأمير بصيام شهرين متتابعين أبلغ من ردعه بإعتاق رقبة؛ لأنه ربما يعتق ألف رقبة ولا يهون عليه أن يصوم يومًا واحدًا.