ثانيًا: ما كان سبيله الاحتياط فقد ذكر الإمام أحمد وغير الإمام أحمد فيما أظن أنه ليس بلازم، وإنما هو على سبيل الورع والاستحباب؛ وذلك لأننا إذا احتطنا وأوجبنا فقد وقعنا في غير الاحتياط، من حيث تأثيم الناس بالترك، والاحتياط أن تؤثِّم الناس أو لا تؤثِّمهم؟
طالب: أن لا تؤثِّمهم.
الشيخ: أن لا تؤثِّمهم؛ فلذلك نقول: إن باب الاحتياط إنما يكون فيما الأصل وجوبه، والأصل هنا عدم الوجوب أو الوجوب؟
طلبة: عدم الوجوب.
الشيخ: عدم الوجوب، فتبين ضعف هذا الاستدلال.
أما الأثر -أثر ابن عمر- فلا دليل فيه أيضًا؛ لأن ابن عمر إنما فَعَلَه رضي الله عنه على سبيل الاستحباب لا شك؛ لأنه لو كان على سبيل الوجوب لأمر الناس به، ولو على الأقل أهْله، ولم يأمرهم بذلك، فسقط الاستدلال بهذين؛ بالأثر، وبالنظر.
بقي أن يُقال: هل في المسألة قول آخر؟
نقول: فيها ستة أقوال غير هذا القول، وهذا السابع؛ فمن العلماء من قال: إنه إنه يَحْرُم صومه، على العكس من القول بالوجوب، واستدل هؤلاء بقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ»(٣)، وإذا كان لا يصوم صومًا فصام هذا اليوم الذي فيه الشك فقد تقدم رمضان بيوم، وبحديث عمار بن ياسر الذي علقه البخاري ووصله أصحاب السنن:«مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(٤)، ولا شك أن هذا يوم يُشَك فيه؛ لوجود، أيش؟ الغيم والقَتَر، وبقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ»(٥)، فقوله:«أَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» أمر، والأصل في الأمر الوجوب.