ثم قال:(وإذا رآه أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم)، (إذا رآه): أي الهلال، (أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم)، والمراد بالأهل هنا: من تثبت به رؤيته، فهو عامٌّ أُريد به الخاص، فليس المراد به أن جميع أهل البلد من صغير كبير وذكر وأنثى يراه، المراد إذا ثبتت رؤيته بمكان من بلاد المسلمين لزم الناس كلهم الصوم في مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها وجنوبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»(٨). والخطاب موجه لعموم الأمة، فيُصام للرؤية، ويُفطَر للرؤية في جميع أقطار الأرض؛ لأنه خطاب عام، «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»؛ ولأن ذلك أقرب إلى اتحاد المسلمين، واجتماع كلمتهم، وعدم التفرق بينهم بحيث يكون هؤلاء صائمين وهؤلاء مفطرين، هؤلاء مُعَيِّدين وهؤلاء صائمين، ففيه تفريق للأمة، وإذا اجتمعوا فصار يوم صومهم واحدًا ويوم فطرهم واحدًا كان هذا أقوى في الاتحاد، واجتماع الكلمة.
ففيه إذَن دليل أثري ودليل نظري معنوي؛ الأثري قوله:«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأْفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»، والنظري: أن فيه اجتماع كلمة المسلمين واتحادهم، وهذا أمر يَنْظُر إليه الشرع نظر اعتبار، وعلى هذا فإذا ثبتت رؤيته في أقصى المغرب، بل في أمريكا وجب على أهل الصين أن يصوموا مع تباعد ما بين المطالع، فإن مطالع الهلال في أمريكا ومطالعه في أقصى الشرق متباعدة جدًّا لكن مع ذلك يجب الصوم لما سمعتم من الدليل الأثري والدليل النظري.
وقال بعض أهل العلم: لا يجب إلَّا على مَنْ رآه أو كان في حكمهم، من رآه أو كان في حكمهم، ومن هو الذي في حكمهم؟ مَن وافقت مطالع الهلال عنده مطالع الهلال عند مَنْ رآه، فإذا اتفقت المطالع فإنه يجب الصوم، وإذا اختلفت لم يجب.