لا ما هو ثقةً، فلا نقبله وإن كان عدلًا في دينه، وعندنا في ذلك دليل من القرآن وهو أن الله عز وجل جعل القوة والأمانة من مُسَوِّغَات إجراء ما يترتب على العمل، ففي قصة موسى مع صاحب مَدْيَن؛ قالت إحدى ابنتيه:{يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص: ٢٦]، وقال العفريت من الجن الذي التزم أن يأتي بعرش ملكة سبأ قال:{وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}[النمل: ٣٩]، فهذان الوصفان رُكْنان في كل عمل، ومنها الشهادة.
إذن نقول: برؤية عدل، فات المؤلف أن يقول: قويّ البصر، لكن لو أراد شخص أن يعتذر عن المؤلف ويقول: إن العدل إذا كان ضعيفَ البصر فلا يمكن أن يشهد بما لم يره، ما تقولون؟
نقول: لا هذا ليس بعذر؛ لأن العدل إذا تَوَهَّم وتَخَيَّل أنه رأى الهلال فسوف يُصِرُّ على أنه رآه؛ لما عنده من الدِّين الذي يرى أنه من الواجب عليه أن يبلِّغ لأجل أن يصوم الناس أو يُفْطِر الناس، فلا بد من إضافة قوي البصر.
قال:(ولو أنثى) قوله: (لو) غالبًا ما تأتي إشارة للخلاف، والمسألة كذلك في هذا.
قوله (ولو أنثى) إشارة خلاف؛ فإن بعض العلماء يقول: الأنثى لا تُقبل شهادتُها في رؤية الهلال، رمضان ولا غيره؛ لأن الذي رأى الهلال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فلا يُقبل إلَّا الرجال؛ ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فُصُومُوا وَأَفْطِرُوا»(١٣)، شاهدان، والمرأة شاهدة، وليست شاهدًا.
ولكن الفقهاء رحمهم الله -فقهاء المذهب- يقولون: إن هذا خبرٌ دينيٌّ يستوي فيه الذكور والإناث، كما استوت الذكور والإناث في الرواية، والرواية خَبَرٌ ديني، فكذلك الخبر برؤية الهلال؛ ولهذا لم يشترطوا لرؤية هلال رمضان ثبوت ذلك عند الحاكم، ولا لفظ الشهادة، بل قالوا: لو سمع شخصًا ثقة يحدث الناس في مجلسه: إنه رأى الهلال فإنه يلزمه أن يصوم بخبره.