يقول الفقهاء أيضًا -يزيدون على ذلك-: ولم يخالف المروءة، فإن خالف المروءة فإنه ليس بعَدْلٍ، ومَثَّلوا لذلك بمن يأكل في السوق، ومَثَّلوا لذلك أيضًا بمن يَتَمَسْخَر بالناس؛ يقلِّد أصواتهم وما أشبه ذلك؛ قالوا: هذا ساقط المروءة فيكون ساقط العدالة.
وظاهر كلام أحمد فيمن ترك الوتر: أنه رجل سوء لا ينبغي أن تُقْبَل له شهادة، أنَّ مَنْ ترك عبادة مؤكدة فإنه تَسْقُطُ عدالته، ولكن ينبغي أن يقال: إن الشهادة في الأموال ليست كالشهادة في الأخبار الدينية؛ في الأموال ينبغي أن نُشَدِّد، لا سيما في وقتنا هذا؛ فما أكثر الذين يشهدون زورًا، لكن في الأخبار الدينية يَبْعُد أن الإنسان يكذب فيها إلا أن يكون هناك مُغريات توجب أن يكذب، مثلما يقال: إنه في بعض الدول إذا شهد شخص بدخول رمضان أعطَوْه مكافأة، أو بشهادة شوال أعطوه مكافأة، هذه ربما تُغْرِي ضعيف الإيمان فيشهد بما لم يرَ.
يُشْتَرط مع العدالة -وهي قد فاتت المؤلف رحمه الله- أن يكون قويَّ البصر بحيث تَصْدُق دعوى أنه رآه، فإن كان ضعيفَ البصر فإنه -وإن كان عدلًا- لا تقبل؛ لأنه إذا كان ضعيف البصر وهو عدل فإننا نعلم أنه متوهم، لكن لعدالته خاف أن يتعلق بذمته شيء فشهِد بما هو متوهم فيه، أليس كذلك؟
لهذا لا بد مع العدالة من قوة البصر بحيث يحتمل صدقُه فيما ادَّعاه، وإلَّا فلا، فلو جاءنا رجل أعمش ضعيف البصر لكنه عَدْل في دينه لا يُخِلُّ بواجب ولا ينتهك محرمًا وقال: لقد رأيت الهلال، قلنا: هات غيرك، قال: تقدح في ديني؟ ماذا أقول له؟
لا، صَوْمُ الناس، خَفْ ربك، يقول للقاضي: خَفِ الله، فيقول له: أنا أشك في إدراكك لهذا، أقدح في رؤيتك، ولا مانع، وإن شاء أن يختبره اختبره، فيضع له علامة في الجدار يكون بينه ويبنها كما بيني وبين الجدار كم أرى؟ ثلاثة متر، علامة كبيرة، علامة استفهام، يقول ما هذه؟ فيقول: هذا رقم تسعة. هل يكون هذا ثقة؟