للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولا: أنَّ هذا فِعْلُ الرسولِ عليه الصلاة والسلام؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه: كُنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في رمضانَ في يومٍ شديدِ الحرِّ، حتى إنَّ أَحَدَنا لَيَضَعُ يديهِ على رأسِهِ مِنْ شدَّةِ الحرِّ، وما فينا صائمٌ إلَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رَوَاحة (٦). هذه واحدة.

ثانيًا: أنه أسرعُ في إبراءِ الذِّمَّةِ؛ لأن القضاء يتأخَّر، والأداء -وهو الصيامُ في رمضانَ- يتقدَّم.

ثالثًا: أنه أسهلُ على المكلَّف غالبًا؛ لأن صومَهُ مع الناس وفِطْرَهُ مع الناس أسهلُ مِن أنْ يستأنفَ الصومَ بَعْدُ كما هو مجرَّبٌ ومعروفٌ.

رابعًا: أنه يُدرِك الزمنَ الفاضلَ، وهو رمضانُ، فإنَّ رمضانَ أفضلُ من غيرِهِ لأنه محلُّ الوجوب.

فلهذه الأوجُهِ يترجَّحُ ما ذهبَ إليه الشافعيُّ رحمه الله: أنَّ الصومَ أفضلُ في حقِّ مَنْ يكون الصومُ والفِطْرُ عنده سواءً.

الحالُ الثانية: أنْ يكون الفِطر أَرْفَقَ به، فهُنا نقول: الفِطر أفضلُ.

وإذا شقَّ عليه بعضَ الشيءِ صارَ الصومُ في حقِّهِ مكروهًا؛ لأن ارتكابه المشقَّةَ مع وجودِ الرخصةِ يُشْعِر بالعدولِ أو بالعزوفِ عن رُخصة الله عز وجل.

الحالُ الثالثة: أنْ يشقَّ عليه مشقَّةً شديدةً غيرَ محتمَلةٍ، فهنا يكون الصومُ في حقِّهِ حرامًا، ودليلُ ذلك أن النبيَّ عليه الصلاة والسلام لَمَّا شُكِي إليه أنَّ الناسَ قَدْ شقَّ عليهم الصيامُ وأنَّهم ينتظرون ما يفعل؛ دعا بماءٍ بعد العصرِ وهو على بعيرِهِ عليه الصلاة والسلام فأَخَذهُ وشَرِبهُ والناسُ ينظرون إليه، ثم قيل له بعد ذلك: إن بعضَ الناسِ قد صامَ. فقال: «أُولَئِكَ العُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» (٧). فوصفهم بأيش؟ بالعِصيان، فهذا ما يظهرُ لنا من الأدلَّةِ في صوم المسافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>