نحن قلنا: من الكتاب والسُّنَّة؛ من السُّنَّة أن الرجل لَمَّا قال: لا أستطيع أن أُطْعِم ستين مسكينًا، لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: أَطْعِمْهم متى استطعت، بل أمره أن يُطعم حين وَجَد، فقال:«خُذْ هَذَا تَصَدَّقْ بِهِ»، فقال: أَعَلَى أفَقَرَ مني يا رسول الله؟ قال:«أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»(٢)، ولم يقل: والكفارة واجبة في ذمتك، فدلَّ هذا على أنها تسقط بالعجز.
وقال بعض العلماء: إنها لا تسقط بالعجز، واستدل بالحديث، قال: لأن الرجل قال: لا أجد، فلمَّا جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم التمرُ قال:«خُذْ هَذَا تَصَدَّقْ بِهِ»، ولو كانت ساقطة بالعجز لم يقل:«خُذْ هَذَا تَصَدَّقْ بِهِ».
فيقال في الجواب: إن هذا وجده في الحال، يعني وجده في حال في المجلس الذي أفتاه النبي صلى الله عليه وسلم به، فكان كالواجد قبل ذلك؛ ولهذا لَمَّا قال: أطعمه أهلك لم يقل: وعليك كفارة إذا اغتنيت.
فالقول الراجح أنها تسقط، وهكذا أيضًا نقول في جميع الكفارات إذا لم يكن قادرًا عليها حين وجوبها فإنها تسقط؛ إما بالقياس على كفارة الوطء في رمضان، وإما لدخولها في عموم قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: ١٦] و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧] وما أشبهها، وعلى هذا فكفارة الوطء في الحيض إذا قلنا: إن الوطء في الحيض يوجب الكفارة، ثم عجز، تسقط أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: تسقط، فدية الأذى إذا لم يجد ولم يستطع الصوم تسقط، وهكذا جميع الكفارات، بناءً على ما استدللنا به لهذه المسألة، وبناءً على القاعدة العامة الأصولية التي اتفق عليها الفقهاء في الجملة، وهي أنه لا واجب؟
طلبة: مع عجز.
الشيخ: مع عجز.
ثم قال المؤلف رحمه الله:(بَابُ مَا يُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ، وَحُكْمِ القَضَاءِ).