وإذا كان حجَّ فريضة فكذلك أيضًا، حج الفريضة بأصل الإسلام ثابت؛ ففي حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة قال: «مَنْ» قال: أخ لي أو قريب لي قال: «أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ» قال: لا. قال:«حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ»(٣٠)، وكذلك أيضًا في حديثه في الصحيحين: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن فريضةَ الله على عباده بالحج أدركتْ أبي شيخًا كبيرًا لا يثبُت على الراحلة، أفأَحُجُّ عنه قال:«نَعَمْ»(٣١)، فإذا جازت النيابة عن الحي لعدم قدرته على الحج فعن الميت من باب أولى.
ثالثًا:(أو اعتكاف) اعتكاف نذر، رجل نذر أن يعتكف الثلاثة الأيام من أول شهر جمادى الثاني، ولكنه لم يعتكف ومات، فإذا مات يعتكف عنه مَنْ؟ وليُّه؛ لأن هذا الاعتكاف صار دينًا عليه، وإذا كان دينًا فإنه يقضى كما يقضى دين الآدمي، وإذا كان اعتكافًا واجبًا بأصل الشرع؟
طلبة: ما في.
الشيخ: ما في، صح، إذن الاعتكاف لا يمكن أن يكون واجبًا إلا بالنذر.
ولهذا يقال: إن أحد الملوك نذر؛ قال: لله علي نذر أن أقوم بعبادة لا يشاركني فيها أحد، استفتى الناس قالوا: ما يمكن؛ لأنه ما تدخل في عبادة إلا ويمكن آخرون يكونون متلبسين بها، فسألوا عالمًا فطنًا فقال: يخلى له المطاف؛ يعني: بالكعبة، فإذا لم يطف بالكعبة إلا هو فقد تلبس بعبادة لا يشاركه فيها أحد لأنه ما في طواف مشروع إلا في الكعبة، أما الاعتكاف لأنه ربما ينذر أنه يعتكف في هذا المسجد ويكون غيره أيضًا قد اعتكف في مسجد آخر.
الرابع:(أو صلاة نذر) رجل نذر أن يصلي لله ركعتين، فمضى الوقت ولم يصلِّ ثم مات يستحب لوليه أن يُصَلِّيَ عنه؛ لأن هذا النذر صار دينًا في ذمته، والدين يقضى كدين الآدمي، وإن كان فريضة بأصل الشرع هل تُقْضَى؟ لا تقضى؛ لأن ذلك لم يَرِد.