كل هذا يحتمل من القرآن؛ لأن القرآن ما فيه بيان، لكن ثبتت الأحاديث أنها في العشر الأواخر من رمضان، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم اعتكف العشر الأول من رمضان يريد ليلة القدر، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قيل: إنها في العشر الأواخر، وأريها عليه الصلاة والسلام، وأنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، ليلة إحدى وعشرين من رمضان، وكان معتكفًا عليه الصلاة والسلام، أمطرت السماء فوكف المسجد –يعني: خر السيل منه من سقفه- وكان مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم على عريش فصلى الفجر -صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه- بأصحابه، ثم سجد على الأرض، قال أنس: فرأيت أثر الماء والطين على جبهته، فسجد في ماء وطين (٦)، فتبيَّن بهذا أنها كانت في ذلك العام ليلة إحدى وعشرين.
إذن هي في العشر الأواخر، وأُرِيَ جماعة من الصحابة ليلة القدر في السبع الأواخر، فقال صلّى الله عليه وسلّم:«أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ -يعني: اتفقت- فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ»(٧)، وعلى هذا فالسبع الأواخر أرجى العشر الأواخر، إن لم يكن المراد بقوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم:«أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» يعني: في تلك السنة، فهذا محتمل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف العشر الأواخر كلها إلى أن مات.
فيحتمل أن يكون معنى قوله:«أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ»؛ يعني: في تلك السنة بعينها، لم تكن ليلة القدر إلا في السبع الأواخر، وأنه ليس يعني أنه في كل رمضان مستقبلٍ تكون في السبع الأواخر؛ يعني فتبقى الآن في العشر الأواخر، أولها ليلة إحدى وعشرين، آخرها آخر ليلة من الشهر.
البحث الثالث: هل ليلة القدر في ليلة واحدة كل عام أو تنتقل؟